اردني يجمع مليون توقيع من اجل السلام على القدس

اردني يجمع مليون توقيع من اجل السلام على القدس
الرابط المختصر

aما أن تنفتح صفحة الموقع الرئيسية, حتى تصدح فيروز بصوتها الملائكي كلمات الشاعر اللبناني سعيد عقل برفقة لحن رحباني عظيم لاغنية زهرة المدائن الجميلة, وما ان تبدأ بتقليب صفحات الموقع صفحة تلو الاخرى تغوص في عوالم القدس الدينية والتاريخية والانسانية والعروبية والاسلامية والمسيحية.. الخ من العوالم لكنك بالضرورة ستتوقف عند شأن شديد الخصوصية, شأن يتعلق بصاحب الموقع الالكتروني, Jerusalem city of peace فؤاد مدانات.
التوقف عند صاحب الموقع الالكتروني فؤاد مدانات لا لغرابة ان يجند ابن الكرك ذاته على مدار الساعة على مدى السنوات الثلاث الاخيرة للوفاء بنذر التزم به تجاه القدس, فذاك شأن يعرفه القاصي والداني, فللقدس لدى مسيحيي الشرق كما للمسلمين مكانة خاصة, فاليها يولّون وجوههم, ولها ينذرون نذورهم, ولا لغرابة ان يجد مدانات كما غيره في طريقه للوفاء بنذره مطبات خطرة ومعيقات جمة, فمريدو القدس, مدانات وغيره, تقف بينهم وبين ما عشقوا وارادوا دول ودشم ومال ومصالح وتاريخ مليء بالدم والاشلاء والقهر لكن الغرابة ان ينبري رجل اقترب عمره من السبعين لم يكن له بامور السياسة وتفاصيلها سابق احتكاك ومعرفة لتنفيذ مهمة كلَّت في سبيلها دول ومنظمات وافراد, فما بالك برجل عادي ذي امكانيات مالية بسيطة ان يأخذ على عاتقه مهمة جمع مليون توقيع من اجل السلام على القدس.
استدراك مسبق
قبل الغوص في تفاصيل قصة مدانات مع نذره ومع المليون توقيع لاجل السلام على القدس, لا بد من التوقف عند نقطة ذات دلالات مهمة, تتعلق  بمصطلح السلام على القدس, صحيح ان مدانات تناول تعبير السلام بمضمونه الديني, ولم يكن في ذهنه اية تأويلات سياسية لمصطلح السلام, لجهة حالة الاشتباك بين مفهوم السلام, بوصفه مطلبا انسانيا بحتا, والسلام المعني بالتسويات السياسية المرتبطة بموازين القوى المختلة لغير صالح الامة, فاعداء السلام صباح مساء يتحدثون عن السلام, وقتلة الشعوب يتغنون به كل الوقت, لذا فان مدانات معني فقط بأن يعم السلام على القدس عبر كنس الاحتلال عنها, ولا يتطلع الى إضفاء بعد سياسي على حملته الخاصة بجمع مليون توقيع, لانه لا يرى في الواقع اي مبررات لعقد تسويات مع العدو الصهيوني.
البدايات
يقول مدانات وهومتقاعد من عمله السابق في الملكية الاردنية كأخصائي تزويد, ان علاقته بمشروع جمع مليون توقيع من اجل السلام على القدس تعود الى يوم الرابع من شهر تشرين اول من عام 2009 حينما حضر افتتاح احتفالية الاردن بالقدس كعاصمة للثقافة العربية, التي اقيمت في المركز الثقافي الملكي, فاثناء الاحتفالية قامت عصابات الصهاينة بالاعتداء على المسجد الاقصى.
لم يشعر مدانات فقط ان هذا الاعتداء موجه ضد الاحتفالية التي شارك فيها, بل اعتبر انه شخصيا مستهدف من الاعتداء, وزاد من حنقه ان أكاديميين ومؤرخين على مدى اربعة ايام هي ايام فعاليات الاحتفالية, كانوا يتحدثون عن القدس كأنها اصبحت من الماضي, وفي لحظة فارقة خلال الجلسة الختامية طلب الحديث من رئاسة الجلسة, وامسك بالميكرفون واعلن انه ينذر نفسه لمدة سنة كاملة من اجل القدس, سيحاول خلالها جمع مليون توقيع من اجل السلام على القدس, كدعم معنوي للاهل هناك, صحيح انه عاش معظم سنوات عمره في الضفة الشرقية, لكنه درس في رام الله فتوطدت علاقته بادق تفاصيل المدينة المقدسة, وهو لم يكن يخطط لان ينذر نفسه للقيام بما يقوم به اليوم, لكنه في لحظة نفسية خاصة اتخذ قرار النذر كرد فعل طبيعي لشعوره بغياب الحمية, وحرص من الحاضرين في المؤتمر على المدينة المقدسة, وضرورة بذل الغالي والنفيس في سبيلها.
الرَّحالة
بعد ان استفاق مدانات من الحالة التي اوصلته الى ان ينذر نفسه سنة من اجل القدس, اخذ يبحث عن الوسيلة المناسبة لتنفيذ نذره, فتذكر رحلته الطويلة عام ,1962 حينما جاب حوض البحر الابيض المتوسط بطريقة ال¯ »اوتوستوب«, يقول إن رحلته بدأت من عمان الى بغداد فالى اسطنبول, ومنها الى اليونان فالى يوغسلافيا - صربيا - فالى ايطاليا والى سويسرا, ففرنسا, فاسبانيا, ومنها الى دول شمال افريقيا من المغرب الى مصر, وعودة الى عمان.
اعتقد للوهلة الاولى ان بإمكانه اعادة الكَرَة, والسفر الى هذه الدول لجمع مليون توقيع, لكنه اكتشف ان ما يقارب نصف قرن مرت عليه منذ عام ,1962 اي ان ما كان قادرا على فعله وهو في العشرين من عمره لم يعد قادرا عليه اليوم, اضافة الى معيقات موضوعية تتعلق بتحولات عميقة طالت ادق تفاصيل الحياة, تحول اليوم بين شاب في العشرين من القيام بذات الرحلة التي قام بها مدانات قبل نصف قرن, فما بالك بشيخ شارف على السبعين.
السيارة مش عم تمشي
ما أن تبين لمدانات انه غير قادر على السفر الى الدول المستهدفة بطريقة ال¯ »اوتوستوب« لاتمام مشروع جمع مليون توقيع للسلام على القدس, قرر ان يشتري سيارة للقيام بالرحلة, فاستورد سيارة بمواصفات مناسبة للرحلة من امريكا, ووضعها في المنطقة الحرة الى حين يكون جاهزا للبدء بالرحلة, لكنه ما ان حاول بعد حين اخراج السيارة من المنطقة بشكل طبيعي حتى اصطدام بالروتين والمعيقات, ما دفعه للسفر الى الدول المستهدفة بالطيارة على حسابه الشخصي, وبالفعل تمكن من زيارة عدد كبير من الدول خلال السنوات الثلاث الماضية, وجمع خلال رحلاته اليها ومن خلال الموقع الالكتروني الخاص بالمشروع محور الحديث ما يزيد على 977 الف توقيع لمواطنين من عشرات الدول.
اسرائيليات
اسرائيل كعهدها دائما لا تترك شخصا مثل مدانات من دون ان تلجم تحركاته بشتى الوسائل, قد تبدأ بمحاولة احتوائه او شرائه, وان لم تستطع تتخلص منه ماديا او سياسيا او اجتماعيا.. الخ.
وهو ما حدث مع مدانات, فهو خلال السنوات الثلاث الماضية انفتح على معظم التجمعات المعنية بمدينة القدس في كل دول العالم, لكنه بعد ان تعرض موقعه الالكتروني لقرصنة اسرائيلية اعاد النظر في اسلوب تعاطيه مع المجموعات المختلفة واصبح اكثر حذرا, ويقول انه شعر في يوم من الايام حينما فتح موقعه الالكتروني, بانه يدخل الى موقع اسرائيلي فاعتقد للوهلة الاولى انه اخطأ في كتابه اسم الموقع لكنه ما ان تأكد من انه دخل الى موقعه حتى قام على الفور بالاستعانة بعدد من خبراء  المواقع الالكتروني, وتمكن من حماية موقعه من القرصنة الاسرائيلية.
ليست النهاية
مدانات انفق خلال السنوات الثلاث الماضية كل ما يملك, انفق كل مدخراته, باع  كل ما يستطيع بيعه لتوفير المال اللازم للوفاء بنذره وانجاز مشروع جمع مليون توقيع من السلام على القدس, وهو كما يقول لا يطلب الشكر او التقدير من احد, لانه قام بواجبه تجاه المدينة المقدسة, ومهما قيض له العمر من سنوات مقبلة فانه سيبقى يعمل من اجل القدس, ولو عادت به الايام الى الوراء فانه سيكرر ما فعله ان لم يفعل اكثر, وهو يقول ان ما يقوم به ليس استثناء لدى الاردنيين فالقدس وفلسطين, كل فلسطين تعيش في ضمير كل اردني./a

أضف تعليقك