"308": أن تصل متأخراً

"308": أن تصل متأخراً
الرابط المختصر

 بعد إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني وتعديل المادة  98 من نفس القانون، أستطيع الترحيب بكم في العام 3000 قبل الميلاد، حيث كان المجتمع الرافدي "وفق التاريخ" يحترم المرأة كشريكة تتساوى في حقوق المواطنة، عاملة، وأم، وأنثى، ويُجَرم الاعتداء عليها، بل ويحرمه، بوصفها معبودة المجتمع انطلاقاً من الفكرة السائدة آنذاك بارتباط المرأة بمنح الحياة، وخصب الأرض وضمان استمرار الجنس البشري.

 وما أساطير الأولين حول ملكات وآلهات العصور الغابرة، سوى دليل ربما، على جذور اجتماعية تظهر مكانة المرأة وحقوقها المتقدمة في حين مهمل من الزمان غطته قوانين معاصرة، أورثت مواداً غريبة عجيبة، منها المادة 308 من قانون العقوبات الأردني، التي شكلت لسنوات ملاذاً  للرجل في حال أقدم على اغتصاب امرأة، إذ كان القانون يسمح بالإعفاء من العقوبة، في حال تزوج المغتصب مغتصَبته، وكانت الفكرة مذ عرفتها شخصياً، مثار سخرية كبير، إذ من المستحيل أن يعرب رجل عن رغبته بالزواج من امرأة وإمضاء حياة كاملة معها، باغتصابها أولاً.

 هذه المادة، ألغيت أخيراً من قانون العقوبات الأردني، كما سبقها تعديل المادة 98 التي صارت لا تسمح بتخفيف العقوبة على القاتل بدعوى "الشرف". هذا التغيير المهم على الصعيد التشريعي، يحتاج إلى حماية في إطاره القانوني والاجتماعي، فأعمال العنف المرتكبة ضد المرأة في المجتمع، ما تزال متوطدة ومتنوعة، وتتخذ غطاءات اجتماعية عديدة، أبسط أمثلتها يكمن في التحرش اليومي تجاه المرأة.

وتوجد سرديات مختلفة،  تلقي باللوم على المرأة في حال تعرضت لأي نوع من أنواع التحرش اللفظي أو الجسدي، سواء في مكان عام أو خاص، حيث لا يتفكّ رجال دين في فتواهم وخطبهم يطالبون المرأة بالتستر، كما يطالبون الرجال بسترها، فهي العورة التي تجب تغطيتها، وهي ممثل الشيطان في المجتمع إذا "تبرجت أو انتقت لباسها بحرية" كما يرى هؤلاء.

 هذا واحد من أهم الدوافع الاجتماعية التي أنشأت الرجل في المجتمع ليكون مراقباً ووصياً على المرأة، وليأخذ حذره منها! مما حولها في نظره من شريك في الحياة وجنس لا غنى عنه في الوجود والمجتمع، إلى عدو يجوز التحرّش به في حال مارس خياراته الخاصة، كما يمكن قهره ولومه في حال اعترض، رغم أن فعل التمرد نابع من غياب الحقوق ومن بناء علاقة شاذة بين الجنسين تقوم  على سوء النية المتذرعة بالقداسة!

سرديات أخرى، عرفية، وصلت منقولة كما هي، شكلها تاريخ طويل من الطائفية والرغبة التاريخية في تسليع المرأة، ساهمت فيها حديثاً صحوات الإسلام السياسي منذ بدايات القرن الماضي، إذ اتخذت من شعارات تغطية المرأة والوصاية عليها رمزاً لمشاريعها السياسية الناجزة كبديل عن أي نموذج إنساني أو تجربة طويلة يمكن خوضها للوصول إلى حقائق اجتماعية أكثر واقعية وإنسانية.

لعل هذا كله، يحيلنا إلى ضرورة نزع أي حماية قانونية لأي نوع من التحريض على المرأة في الفضاء العام، وقد يتبادر السؤال حول تبعية القانون والمجتمع إلى بعضهما البعض في هكذا حال، ولكن، سواء وجد قانون يحمي المرأة أو يحد من حقوقها، ففي كلتا الحالتين، لا يمكن تحقق القيمة الفلسفية والأخلاقية بوصف الإنسان كائناً أخلاقياً وليس عاقلاً فقط، إلا إن سبق الإنسان القانون دائماً، بمعنى أنه يسعى لإنصاف شقيه "رجل، امرأة" الذين يشكلان جسد المجتمع الواحد.

 فأي مجتمع ينصف المرأة بصورة طبيعية أو تلقائية إن صح التعبير، يتجاوز أي قانون يمكن أن يظلمها، وهذا ما آمله تجاه قانون زواج القاصرات الذي عُدلت تعليماته حديثاً، خصوصاً بعد تعديل المادة 98 وإلغاء المادة 308.

 

عاصف الخالدي: كاتب وباحث من الأردن.

أضف تعليقك