وما زال البحث جارياً
النيابة مهمة بتكليف شعبي والوزارة وظيفة بتكليف رسمي والفارق بينهما عميق جدا .
لا يشترط الدستور الأردني على جلالة الملك إجراء مشاورات مع الكتل النيابية لتشكيل حكومة جديدة، ويعطي الدستور جلالته الحق في تكليف من يراه مناسبا لتشكيل الحكومة، لكن الملك في إطار سعيه إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية والوصول إلى حكومة برلمانية فإنه كلف رئيس ديوانه بإجراء مشاورات مع الكتل النيابية.
وأيا كان رئيس الحكومة المكلف وموقف الأغلبية النيابية منه فإنه مجبر على الذهاب إلى مجلس النواب لطلب الثقة، وهنا يصبح مجلس النواب هو المسؤول المباشر عن عملية اختيار الرئيس الجديد وطاقمه مادام المجلس قد أعطاه الثقة وهو يمتلك حق حجب الثقة عن الحكومة في أي وقت.
ما يجري اليوم نهج جديد يرسخ مبدأ فصل السلطات وتكافئها واحترام مجلس النواب المنتخب وإجراء مشاورات نيابية للتعرف على مواقف الكتل النيابية. ويبدو أن القصر اختار إطالة أمد المشاورات وعدم التسرع في إنجازها بهدف امتصاص الزخم النيابي الجديد المنتشي بحلاوة النصر، إضافة إلى إعطاء الفرصة للنواب الجدد كي يتعارفوا على بعضهم ويبحثوا عن القواسم المشتركة بينهم، وأن يشكلوا كتلا نيابية حقيقية قادرة على تشكيل الحكومة ودعمها.
والحق يقال إن الكتل النيابية أظهرت وعيا في عدم الوقوع في فخ تسمية الرئيس الجديد واكتفاء الأغلبية منها في الحديث عن مواصفات للرجل القادم، ووضع برنامج سياسي واقتصادي يلتزم به الشخص الذي سيكلف بالرئاسة من دون الدخول في تفاصيل ليست من مهمة الكتل التي ما زالت غير متجانسة، وهي فكرة مهمة لأن المجلس النيابي ما دام ليس به كتل حزبية فإنه غير قادر على تكليف شخص بالرئاسة.
والأولى أن تكتفي الكتل في مشاوراتها بالإشارة إلى أفكارها وبرامجها وخططها، وأنها تطلب من القصر الملكي أن يكلف شخصية قادرة على تنفيذ البرنامج أو الخطوط العريضة المقترحة على أن يبقى كل شيء خاضع للرقابة الدائمة لممثلي الشعب، والواضح أن الحكومة القادمة لن تكون حكومة أغلبية بالمفهوم السياسي بل حكومة ترضى عنها أغلبية النواب.
وللأسف هناك بعض المطالبات النيابية بإعادة توزير النواب، وهي مسألة تجاوزناها منذ عقدين من الزمان، وأصبح العرف ثابتا لدى القوى الحزبية والسياسية بفصل الوزارة عن النيابة ترسيخا للمبدأ الدستوري بفصل السلطات الذي يشكل لب الديمقراطية، لأنه لا يجوز الخلط بين السلطتين التنفيذية والرقابية،لأن لكل منهما مهمة يجب عدم خلطها بالمهمة الأخرى.
وإذا تمت إعادة توزير النواب فإن حال العملية السياسية والنيابية سيتردى لأن المصالح الشخصية ستدخل على الخط، ويصبح كل نائب طامحا في دخول الحكومة أو يرغب في توزير أحد أقاربه أو مدير حملته الانتخابية، وهنا يكون النائب قد أخل بتمثيله للناخبين الذين انتدبوه لتمثيلهم تحت قبة البرلمان والدفاع عن مصالحهم ولم ينتخبوه لكي يكون صاحب معالٍ.
النيابة مهمة بتكليف شعبي والوزارة وظيفة بتكليف رسمي والفارق بينهما عميق جدا والفصل بينهما مهمة وطنية لا يجوز التخاذل فيها.
العرب اليوم