لا يهم كثيرا إذا كانت وثيقة «الحكماء» التي كشف عنها قد سربت من جهات ما، سواء أكانت داخل جماعة الإخوان أو خارجها، أو انها خرجت نتيجة «تشخيص» حقيقي قامت به بعض القيادات التي اختيرت لإنجاز هذه المهمة.
قيمة «الوثيقة» انها تضمنت – لأول مرة – نقدا جاداً لحالة جماعة الإخوان، من داخلها، وشخصت «أزمتها» بشكل دقيق، واعتقد ان من مصلحة الحركة ألا تشعر بالحرج من نشر هذه الوثيقة، فالاعتراف بالخطأ والخروج من دائرة «الافكار» ووضع الرأس في الرمال فضيلة تعبر عن قوة الجماعة، وعن قدرتها على تشخيص أمراضها بحثاً عن معالجات لها، كما انها لا تنتقص من مكانة الجماعة ولا تجرح وحدتها، بل على العكس من ذلك تماماً، فهي تساعدها بتقديم نموذج جاد لإدارة الأزمات وتجاوزها بأفضل الحلول.
لدي معلومات تشير الى انه قبل عام جرى توافق داخل الحركة لتشكيل لجنة من «الحكماء» ضمت قيادات بارزة منها: د. عبداللطيف عربيات و د. محمد ابوفارس والاستاذ حمزة منصور والاستاذ ابراهيم وغيرهم، وعهد اليها بموافقة المراقب العام اجراء حوارات ولقاءات مع العديد من «وجوه» الجماعة من مختلف المراتب والشعب، ووضع تصورات لأوضاع الحركة ومشكلاتها، وقد انتهت اللجنة من عملها مؤخراً وقدمت «تقرير حالة» عُرض على المكتب التنفيذي ومجلس الشوى وتم اقراره ومن ثم تشكيل لجنة «تنفيذية» لمراجعة التوصيات وايجاد ما يلزمها من مخارج وحلول.
لا ادري، بالطبع، من سرّب هذه «الوثيقة» رغم ان ثمة بصمات تشير الى ان جهة داخل الحركة هي المستفيد من تنفيذها، لكن أحد القيادات المحسوبة على هذا الخط نفى ان تكون لهذه الوثيقة علاقة «بتيار» زمزم، تماماً كما نفى قيادي آخر ان تكون الوثيقة خرجت من رحم «الجماعة»، ومع ذلك ما زلت اعتقد ان أهمية وخطورة الوثيقة تكمن في مضامينها، صحيح انها انحازت لطرف على حساب الآخر، وصحيح انها بالغت احياناً في «تشخيص» الازمة، وصحيح ان بعض ما ورد فيها عكس «نفساً» اقصائياً، وان لغتها تبدو غريبة أحيانا عن أدبيات «الحركة» لكن الصحيح ايضا ان المشكلات الخمس التي اشارت اليها في اطار تشخيص «ازمة» الجماعة تبدو حقيقية، واذا ما تجاوزنا «الصياغات» والتفصيلات فإن ثمة مشكلة اسمها «المال السياسي» واخرى اسمها «التداخل التنظيمي» وثالثة هي «التعصب الإقليمي»، ورابعة هي «الاساءة للسمعة» وتجريح الاشخاص لأهداف خاصة، وخامسة هي «تراجع منظومة القيم داخل الحركة»..
تلك العناوين تحتاج لنقاش، ومع انها لا تقتصر فقط على جماعة الاخوان إلا أنها قد تصيب معظم الاحزاب والحركات السياسية، لكن «تغلغلها» داخل الجماعة – كما تقول الوثيقة – ولّد حالة من «الانقسام» الذي ربما يفضي الى انشقاقات داخل صفوف الحركة.
ربما يوظف البعض هذه الوثيقة للتحشيد ضد الحركة و»شيطنتها» وربما يجد آخرون فيها فرصة «لتغيير» مسار الحركة واعادتها الى سكتها، وربما يحاول بعض من لا تعجبهم المكاشفات «التنصل» منها، أو اتهام جهات ما بتسريبها «لتعكير» صفو الحركة، هؤلاء كلهم سيذهبون الى «العناوين» الخاطئة، لكن العنوان الذي نتمنى ان نذهب اليه هو «المصارحة» من اجل المصالحة، والنقد الذاتي من اجل البناء، والتشخيص الدقيق من اجل الذهاب الى الصيدلية، وصرف الوصفة المناسبة للشفاء من المرض..
وهذا ما يهمنا تماماً، وما جعلنا ايضاً نحجم عن الدخول في تفاصيل «الوثيقة» لأن اهميتها في مضامينها العامة ورسالتها، لا في غير ذلك من التفاصيل.
الدستور