واتس آب"؟!

واتس آب"؟!
الرابط المختصر

للوهلة الأولى، اعتقدت أن قضية معتقلي "الواتس آب" مجرد حادثة مختلقة من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن، للتشهير بالحكومة وأجهزتها. لكن بعد المتابعة تبين صحة الواقعة؛ الحكومة بالفعل اعتقلت شبانا لمجرد أنهم "دردشوا" بكلام على "الواتس آب" انطوى على تجاوز قانوني. وقد وجهت لهم اتهامات قد تودي بهم إلى السجن!

في عالم اليوم، يمكن أن يُصنف خبر كهذا في باب الأخبار الطريفة والغريبة؛ فلم أسمع عن دولة تحاكم مواطنيها على "دردشات" في غرف إلكترونية مغلقة.

بيد أن قضية "الواتس آب" لم تكن مجرد حادث معزول. ثمة مؤشرات قوية على ضيق غير مبرر من طرف السلطات بحرية التعبير؛ اعتقال شبان في إربد كتبوا عبارات على الجدران، وتوقيف ثلاثة آخرين في عمان وزعوا ملصقات "رابعة"، وملاحقة "هاكرز" هاجموا صفحة غير مفعّلة لرئيس الوزراء على شبكة الإنترنت. وأخيرا وليس آخرا، الإصرار على محاكمة ناشطين سياسيين أمام محكمة أمن الدولة، ورفض كل طلبات ووساطات الإفراج عنهم بكفالة. ويمكن أن نضيف إلى تلك الحوادث المقلقة توقيف ناشر موقع "جفرا" الإلكتروني نضال فراعنة، ورئيس تحريره أمجد معلا، والإصرار على محاكمتهما بجريمة مطبوعات ونشر أمام محكمة أمن الدولة، بعد أيام فقط من توجيه ملكي بتحديد اختصاصات هذه المحكمة.

ليس سرا أن السلطات، في أغلب بلدان العالم، تراقب مواقع التواصل الاجتماعي. وتخصص الأجهزة الأمنية فرقا من الخبراء والمحللين لمتابعة ما يدور فيها من مناقشات، ورصد اتجاهات الرأي العام وميوله. ومن بين أولويات عملها، رصد نشاط العناصر المنتمية للمجموعات الإرهابية، وتوقيفهم إذا لزم الأمر. لكن ما من حكومة ديمقراطية تُقدم على توقيف مواطنين لمجرد أنهم تناولوا مواضيع سياسية بسقف مرتفع.

غرف "الدردشة" على الشبكة العنكبوتية، والتي تستقطب ملايين البشر حول العالم، تحفل بكلام من شتى الأصناف؛ أحاديث جادة وأخرى بذيئة، وحوارات حول قضايا مهمة وتافهة في الوقت ذاته. وفي أحيان كثيرة، تدور "دردشات" من أجل التسلية وإضاعة الوقت.

مثل هذا تجده على "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي. وفي العموم، لا يمكن أخذ كل ما يُقال على محمل الجد، لكن يمكن الاستفادة منه لقياس المزاج العام واتجاهاته حيال القضايا العامة المطروحة. وينبغي على السلطات أن تستفيد منه لتصويب السياسات وتطوير رسالتها الإعلامية للجمهور، بدل التفكير في الحلول الأمنية من قبيل التوقيف والمحاكمة.

حتى الكتابة على الجدران العامة؛ فهي لم تعد جريمة في معظم بلدان العالم. في الانتخابات الألمانية الأخيرة، شاهدت صورا للمستشارة أنجيلا ميركل في شوارع برلين الرئيسة جرى تشويهها على نحو فظيع؛ برسم شارب "هتلر" المشهور على وجهها. لم أسمع أن شخصا أُوقف على هذه التهمة، كما أن السلطات لم تُقدم على إزالة الصور المشوهة حتى بعد فوز ميركل في الانتخابات.

تراجع مستوى الحراك الفعلي في الأردن بفعل عوامل عديدة، ولم يبق غير الحراك الإلكتروني. دعوا الناس يعيشون بحرية في عالمهم الافتراضي؛ لا تتطفلوا على خصوصياتهم، يكفيهم ما فيهم من معاناة في واقعهم اليومي

الغد

أضف تعليقك