وإلاّ.. لنقرأ الفاتحة؟!

وإلاّ.. لنقرأ الفاتحة؟!
الرابط المختصر

مرّة أخرى يطفو موضوع التلفزيون الحكومي على السطح، ونعود للجدال العقيم في الأسباب التي أودت به إلى الغيبوية عن الوعي والمهمة الحيوية التي يمكن أن يقوم بها.

أحداث مباراة الوحدات والفيصلي ذكرتنا بالتلفزيون الحزين، وقبلها أحداث أخرى على درجة كبيرة من الأهمية لم يكن للتلفزيون فيها أي حضور، وهو قصور – بلا شك- لا يمكن تحميله للعاملين فيه، ومنهم طاقات متميزة، وقد خرّجنا قبل ذلك خبرات إعلامية كبيرة للعالم العربي، لكن المطبخ السياسي هو أولاً وأخيراً المسؤول الرئيس عن إفشال هذه المؤسسة الوطنية المهمة.

المفارقة المدهشة أنّ العالم اليوم يدفع اهتماماً كبيراً للإعلام ودوره وأهميته، وخطورته في الوقت نفسه، وتحديداً الإعلام المحلي الذي يعالج القضايا، فيما يبدأ المواطن الأردني بتقليب الفضائيات العربية والعالمية عند كل حدث محلي في محاولة الوصول إلى ما يحدث في أحياء بعمان أو السلط أو مدن أخرى، فهل يمكن الاستمرار بقبول هذه المعادلة، أو السكوت عليها.

خلال فترة محدودة تمّ تبديل عدة إدارات في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وتم إطلاق جملة كبيرة من الوعود، ومن ثم نعود حالياً إلى ما قبل المربع الأول، وأوضاع هذه المؤسسة تسير من السيئ إلى الأسوأ، وتكاد تغرق حالياً في المسلسلات المصرية القديمة، وكأنّنا بالفعل خارج التاريخ!

الوظيفة الوحيدة المخصصة اليوم لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون هي الخروج عند كل منعطف لمهاجمة المعارضة أو التشكيك بمواقفها من الزاوية الوطنية، حتى بأسلوب فج بدائي، لا يقنع حتى الذين يقدمون تلك البرامج، لكنهم مجبرون على هذه الوجبة الإعلامية المستهلكة المملة، فكيف ستكون حال المواطن، الذي يقارن بين هذا الأداء "المحزن" للإعلام الوطني بفضائيات عربية أخرى تخصص برامج حوارية بسقف مرتفع وتقارير متعددة، تبني الصورة الإعلامية حول الأردن وتضع الرواية الحكومية الرسمية في علبة محكمة الإغلاق.

ثمة خطوات واسعة ومهمة يمكن القيام بها لإنقاذ التلفزيون الحكومي من هذه الحالة، لكن الشرط الأول الخروج من حيّز الشخصنة والتفكير الأحادي وتجريب المجرّب، واتخاذ قرار استراتيجي ومهم بوضع فلسفة جديدة لعمل المؤسسة، تنطلق من اعتبار الاستقلالية الإدارية والمهنية الإعلامية، ومنح إدارة كفؤة متميزة للمؤسسة المساحة الضرورية من حرية الحركة والعمل والاجتهاد، بما يخدم المعالجات الإعلامية للقضايا المحلية المختلفة: ليس فقط سياسياً، بل اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً.

ذلك يقتضي رفع موازنة المؤسسة وإعادة هيكلتها بما يساعد على تأهيل العاملين فيها والتخلص من الحمولة الزائدة إلى مؤسسات أخرى في الدولة تحتاج إليهم، بخاصة من الكتلة المتضخمة التي تقوم بمهمات غير إعلامية، لكنها تستخدم دوماً ذريعةً لتحبيط أي محاولة تغيير أو إصلاح حقيقية في عمل مؤسسة التلفزيون.

السيمفونية الحكومية وتكرار الشكاوى من ضعف التلفزيون لم تعد تجدي، وهي حجة لا تقنع أحداً، وإذا أردنا فعلاً التغيير، فبابه معروف وواضح وواسع، وإلاّ فنرجو أن نقرأ الفاتحة مبكراً على روح هذه المؤسسة العملاقة الكبيرة التي كانت عنواناً حقيقياً من عناوين القوة الناعمة الأردنية في العالم العربي.

وفي سياق موازٍ، فإنّ الأسباب التي منعت بروز قنوات فضائية أردنية خاصة محترمة وعلى درجة من المهنية والإعداد أيضاً مبررات واهية، ويمكن إجراء مقارنة أولية فقط بين الأوضاع هنا وفي مصر لنكتشف أنّ تحمل النظام سقفاً من الحرية من القنوات الجديدة أدى إلى اجتذاب ليس فقط الجمهور المصري بل حتى العربي، وتمكن من تعزيز الرواية الرسمية المصرية نفسها وتطعيمها بعناصر القوة، بالرغم أن الوضع السياسي والاقتصادي هنا أفضل!

الغد

أضف تعليقك