وأخيراً أنتصر المعلمون
ننحني بالتقدير والإحترام للمعلمين والمعلمات الذين حققوا نصراً بإنتزاعهم لنقابة المعلمين بعد عقود من الممانعة والرفض والإقصاء تحت عناوين وذرائع لم تكن أبداً مقنعة وتمر من منظور أمني لايريد لهذه النقابة أن ترى النور، لأنها ستكون قوية ومؤثرة وربما تسهم في قلب المعادلات والموازين في بنية العمل والنضال النقابي .
أنتصر المعلمون وسقطت عقلية الوصاية التي تسعى لتهميش المعلمين وإبقائهم خارج معادلة اللعبة النقابية والسياسية ، وانتصر المعلمون لأنهم توحدوا خلف شعارات لايمكن الإختلاف عليها ولأن حجة الحكومات المتعاقبة واهية ولا تصمد أمام أرادة المتشبثين بحقوقهم ،وانتصروا أيضاً لأن زمن تكميم الأفواه ومصادرة الحقوق في الأردن والعالم العربي قد ولى إلى غير رجعة .
لم تكن المشكلة أبداً في فتوى المجلس العالي لتفسير الدستور التي كانت لاتجيز للمعلمين نقابة ،فقد كانت تعبيراً عن الضغوط الحكومية وخارج السياق الدستوري ، والا كيف نجيز النقابات لكل المهن وبعضها تضم موظفين حكوميين كثر ولا نعطي هذا الحق للمعلمين ؟!
والعقبة لم تكن وزير التربية والتعليم الدكتور إبراهيم بدران الذي لم يحسن إدارة المعركة وخسر رغم كفاءته بسبب تصريحات إعتبرها المعلمون مسيئة لهم ،وأغتنموها فرصة لتصعيد معركتهم النقابية بل كانت المشكلة وظلت في خوف الدولة وتحسبها من تشكيل إطار نقابي للمعلمين والمعلمات يضم آلالاف،وهم ليسوا خائفون من تسيس هذا الجسم بل ما يقلقهم هو توحدهم خلف قضايا مطلبية أبرزها وأهمها تحسين رواتبهم ووضعهم المعيشي .
لا يجادل أحد في الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه المعلمون ولا تستطيع الحكومة القول بأن وضع المعلمين ورواتبهم مقنعة ومرضية، وكان وزير التربية الأسبق الدكتور خالد طوقان الذي أمضى أكثر الوزراء عمراً في التربية يقول علناً أن المطلوب مضاعفة رواتب المعلمين حتى نقترب من مرحلة الإنصاف لهم ، وهذه القضية وحدها كافية لإثارة الرعب عند الحكومات لأنها تدرك أن ولادة نقابة للمعلمين سنجعل هذه المسألة على رأس الأولويات والمطالب ،وتعلم الحكومة كذلك أن تحقيق هذا الأمر صعب خاصة في ظل الظروف الإقتصادية القاسية التي يمر بها الأردن.
المعلمون و الحكومة أمام مرحلة جديدة لا يمكن التقليل من أهميتها، فمن جهة المعلمون أصبحوا كتلة يحسب لها حساب و يستطيعون أن يقولوا لا عالية بملأ الفم و صوتهم مسموع و يستطيعون أن يجبروا الحكومة على الإصغاء لهم لأنه أي موقف جماعي للنقابة قادر على إحداث شلل و إرتباك في الحياة العامة.
و على الجانب الآخر، فعلى الحكومة أن تعيد حساباتها خاصة في الميدان التربوي و صناعة القرار التعليمي، فاليوم أصبح لديها شريكاً لا يمكن تجاهله، و عليها أن تستعد من اليوم للتعامل مع مطالب المعلمين و خاصة التي تخص تحسين حياتهم.
نقابة المعلمين الآن قوة كبيرة في الميدان تتجاوز نقابة المهندسين، و لم تنجح دعوة رئيس اللجنة القانونية في البرلمان النائب عبد الكريم الدغمي لتبني عدم الإلزامية في نقابة المعلمين، و سبب فشل الدعوة ليس عدم جاهة الطرح ومدى إنسجامه مع المعايير الدولية و المعاهدات التي وقع عليها الأردن و التي تنص على طوعية الإلتزام للنقابات، فهذا أمر حقيقي نؤيده ولا نجادل فيه و نتمنى الأخذ به، و لكن ليس بطريقة انتقائية و تطبيق عدم الإلزامية على نقابة المعلمين وحدها، فنحن ندعو الحكومة منذ سنوات إلى الأخذ بمبدأ طوعية الإنتساب للنقابات و عدم إلزاميتها و فتح المجال لتعددية نقابية، و هذا منطق و منهج حقوقي و ليس طريقة لتفكيك نقابة بعينها و شلّ قدرتها عن العمل.
المهم تحقق للمعلمين حلمهم و عليهم مسؤولية تطوير العملية التربوية و التعليمية و استعادة هيبة المعلم و خلق انتماء لهذه المهنة المقدسة و عدم التفريط بهذه القيم حتى لا تنهار سمعة التعليم في الأردن.
و أيضاً النقابة مطالبة بأن تكون إطاراً تعددياً و ليس اقصائياً يعكس حراك المجتمع،ويهتم أولاً بدفع التعليم خطوات للأمام و تحسين حياة المعلم و توفير البيئة الآمنة له قبل المماحكة السياسية و الدخول على خط الإستقطاب الحزبي.
نقابة المعلمون قوة لا يستهان بها و على قادتها العد للعشرة قبل أن يستخدموها في سياق صراعهم المطلبي حتى لا يتهموا في تعطيل العملية التعليمية.