هل يمكن إنقاذ الثورة؟!

هل يمكن إنقاذ الثورة؟!
الرابط المختصر

قد يكون اجتماع قيادة أركان الثورة السورية، قبل يومين، في اسطنبول، مع قادة الفصائل السورية المسلّحة الرئيسة، بمثابة "نقطة تحول" مهمة وأساسية لإنقاذ الثورة السورية، وردّ الاعتبار للأهداف الرئيسة التي قامت من أجلها، وإن كان هذا الاجتماع قد جاء متأخراً عاماً كاملاً. لكن علينا الإقرار هنا أيضاً بأنّ تحقيق هدف الاجتماع، ومهمة اللجنة التي انبثقت عنه، لن يكون سهلا في توحيد الفصائل المقاتلة (باستثناء "القاعدة") على أرض الواقع، وجبر الخلافات والاختلافات الشاسعة بينها وبين الائتلاف الوطني في الخارج.

من المعروف أنّ الثورة المسلّحة توزّعت بين مجموعات عديدة من الفصائل والألوية والمجموعات؛ تمايزت على أسس أيديولوجية وجغرافية.

وهي حالة طبيعية منطقية؛ إذ لم تنمُ الثورة في سياق طبيعي، مثل الدول الأخرى، لا قبل حدوثها، ولا خلال انطلاقتها، بل واجهت آلة دمار عسكرية وقمع أمنية، وسياسة طائفية، داخلية وإقليمية، وتكسيراً نفسياً، ولّد ردود فعل معاكسة، أكثر مما سمح بتطور متدرج سياسياً، وحتى عسكرياً.

مع ذلك، وبالرغم من هذه الظروف القهرية الاستثنائية، فإنّ الفصائل الكبرى الرئيسة تمكنت من بناء قدرات وأجندات سياسية. وهي تمتلك قيادات عسكرية معروفة، ولها حضورها في أغلب المناطق، وتشترك جميعاً في التوافق على الإطاحة بنظام الأسد، والوحدة الوطنية، ونبذ الطائفية، والسعي إلى إقامة نظام سياسي جديد ديمقراطي، عادل، توافقي.

التخوف الدولي من هذه الفصائل يعود لطبيعتها الإسلامية، وغلبة النزعة السلفية عليها. وربما هذا ما حاول نظام الأسد استثماره. ووقعت الحكومات الغربية في الفخ، لعدم قدرتها على التمييز بين التيارات الإسلامية المحلية والوطنية المعتدلة من جهة وبين الفصائل المرتبطة بالقاعدة من جهة أخرى؛ ولا إدراك أهمية دور الدين الطبيعي ووظيفته الروحية والفكرية في لحظة الثورات؛ بل تذهب تقسيمات غربية متخبطة إلى تصنيف هذه الفصائل بين معتدل ومتطرف، وفقاً لمقاييس سطحية ساذجة!تشارك دول الاعتدال العربي في تعزيز الهواجس الدولية، لأنّ هذه الدول لديها هي الأخرى أجندة إقليمية معادية للإسلاميين عموماً؛ ليس فقط في سورية، بل حتى في مصر وتونس.

لذلك حاولت منذ البداية دعم شخصيات وفصائل صغيرة محدودة، لتقويتها في مواجهة الفصائل الإسلامية الكبرى. وعندما لم تنجح هذه الجهود، توجهت إلى بناء جبهة إسلامية ذات طبيعة سلفية موالية لها؛ بتوفير دعم مالي هائل لها، في المناطق الجنوبية والشرقية، وأسست جبهة الأصالة والتنمية، وعملت على شراء ولاء فصائل وقيادات متعددة، لتُضعف التيار الإسلامي الآخر في المناطق الشمالية والوسطى.في المقابل، يأتي اجتماع الفصائل المسلحة، برعاية تركية- قطرية، ويضم الفصائل الرئيسة والمهمة في الثورة السورية، والتي تشكل الجبهتين الرئيستين: الأولى، الجبهة الإسلامية، وأبرز فصائلها "أحرار الشام". والثانية، جبهة تحرير سورية، التي تضم "التوحيد" و"الفاروق" و"لواء الإسلام" و"صقور الشام" وغيرها من فصائل مهمة ورئيسة في الثورة السورية.المشكلة ليست في أجندة هذه الفصائل، ولا يدفع تبنّيها لمشروع الدولة الإسلامية قلقاً حقيقياً؛ فهي تعلن بوضوح أنّها مع إقامة نظام سياسي يقوم على تداول السلطة والتعددية وحماية الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.

وفي برامجها الحزبية عندما تتحول لاحقاً إلى قوى سياسية، ستكون مع إقامة نظام إسلامي عادل، وهي أجندة قابلة للتطور والنضوج، والحياة السياسية الطبيعية تختلف بطبيعتها عن ظروف الحرب والقتال.نجاح مهمة توحيد هذه الفصائل وتجميعها ودمجها في الائتلاف الوطني، هو خطوة مهمة لحماية الثورة وإنقاذها. أما الخطورة الحقيقية، فتتمثل في تحول الأجندة الإقليمية والدولية نحو "خنق" هذه الفصائل، لأن البديل ستكون "داعش"، التي لا هي مع الثورة ولا مع الثوار، ولا تخدم إلا مشروع الحرب الأهلية في سورية، وتحولها فعلاً إلى "أفغانستان أخرى" وأمراء حرب، وحرب إقليمية ممتدة لأعوام!.

الغد

أضف تعليقك