هل يقلب "فرسان التغيير" معادلة الانتخابات التقليدية؟

هل يقلب "فرسان التغيير" معادلة الانتخابات التقليدية؟
الرابط المختصر

يبدو أن الحكومة رمت بثقلها وراء حفز الشباب, بخاصة غير المؤدلج منهم, على خوض معركة الانتخابات على أمل إحداث تغيير في مخرجاتها بعيدا عن سيطرة الخيارات التقليدية, الجهوية والإقليمية.

لكن هذا الجهد الرائد, وسط تسخين باهت قبل أربعة أشهر من موعد الاقتراع, قد يصطدم بلامبالاة لدى القواعد الشعبية في مجتمع متحول تشكل شريحة الشباب حوالي 70 % من عدد السكان, وسط شعور متنام بعدم جدوى الانتخابات على قاعدة الشك بنزاهتها رغم الوعود الرسمية.

فجوة الثقة اتسعت على خلفية تراكمات سابقة أعاقت تغيير السلوك الانتخابي والعقلية النمطية السائدة في مجتمع عشائري محافظ قائم على أسس بطريركية. ما يزيد الطين بلة انتشار ثقافة الخوف من انتقاد السلطة أو الانخراط في العمل الحزبي, إحباط سياسي شعبي مع انسداد أفق قيام دولة فلسطينية مستقلة. أضف إلى ذلك تحديات الفقر والبطالة وانتقائية أهداف مكافحة الفساد, إلى جانب قانون انتخابات طبخ داخل غرف مغلقة, ويحمل في طياته تكريسا للتشرذم.

في مواجهة جبل التحديات الشاهق, شجّعت حكومة الشاب سمير الرفاعي الشباب تسجيل الناخبين الجدد المقدر عددهم ب¯ 350 ألفا لينضموا إلى نحو 3.3 مليون ناخب وناخبة مسجلين منذ انتخابات .2007

 

وفي مسعى لإنجاح هذه التجربة, تتحدث السلطة اليوم لغة الشباب وتلجأ إلى فضاءات الانترنت, في مقاربة استثنائية لحشد مشاركة غالبية الشباب الذين بلغوا سن الاقتراع هذا العام, إضافة إلى أكثر من مليون وربع المليون شاب وشابة مسجلين مسبقا.

الرفاعي, 43 عاما, يهندس هذه الحملة المنظمة.

مع بدء عملية التسجيل مطلع الشهر الحالي, رافق رئيس الوزراء شباب جامعيون إلى دائرة الأحوال المدنية لتثبيت دوائرهم الانتخابية على بطاقاتهم الشخصية. ثم قرن ذلك بإعفائهم من رسوم استصدار البطاقات وأوعز بفتح مكاتب مؤقتة للأحوال المدنية في الجامعات ورعى حملة "صوتك حاسم" التي أطلقها المجلس الأعلى للشباب. حتى مساء الخميس, سجّل 58.000 ناخب وناخبة منهم 29.000 شاب وشابة. وقد تمدد مهلة التسجيل بعد الخامس من الشهر المقبل.

خلال أيام ستطلق وزارة التنمية السياسية حملة إعلامية متعددة الوسائط التي يرتادها الشباب, حيث تتقاطع في فضاءاتها الرسائل الحكومية القصيرة المدججة. تتراوح كبسولات الحشد الإعلامي بين حفلات موسيقية, رسومات متحركة وبطاقات خليوي مدفوعة مسبقا وصولا إلى الإبحار داخل ال¯ Face Book, الذي يشترك فيه 100 ألف أردني وtwitter.

إحدى الرسائل الخليوية ذات الرنّة الشبابية تعلن: "أصوات الجيل بدها تسجيل". وتضرب الرسائل على وتر الإيقاع السريع المرغوب شبابيا: "انتوا معزومين" لاختيار "نواب وطن".

وزارة التنمية السياسية الحاضنة لهذا الحراك الأوسع المدعوم ملكيا تعتمد على شراكات مع القطاع الخاص وشركات الاتصالات وأيضا القطاع العام مثل أمانة عمان الكبرى والمجلس الأعلى للشباب. كذلك تتكئ إلى هيئة شباب "كلنا الأردن", الذراع الشبابية لصندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية الذي تأسس عام 2006 ويتواصل عبر دارات يشرف عليها منسقون يتفاعلون مع عشرات الآلاف من المتطوعين والمستفيدين في المحافظات. وتعتمد الوزارة على منظمات مجتمع مدني محورها الشباب مثل مركز الحياة لتنمية المجتمع المحلي.

وللمرة الأولى سيشارك الشباب في تحالف مؤسسات المجتمع المدني بقيادة المركز الوطني لحقوق الإنسان التي سترصد نزاهة العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها.

شرعت الهيئة في تدريب الشباب على عملية المراقبة, بدءا بتسجيل الناخبين. يوم الانتخاب سينشر 1200 متطوع على مراكز الاقتراع في 45 دائرة انتخابية لمراقبة عملية التصويت والفرز بعد أن أقرت مدونة سلوكية لهؤلاء المتطوعين. فدور الهيئة "تنويري وتوعوي" بحسب مديرها التنفيذي, صائب الحسن, بعد أن "أصبحت أداة تواصل حقيقي بين الشباب بغض النظر عن ميولهم السياسية, إذ نجحت في تكوين مفاهيم مشتركة وخلق هوية أردنية شبابية جامعة". كذلك "تسعى لحفز الشباب على الاقتراع في دوائر معينة في عمان, الكرك والبلقاء شهدت اقل نسب تصويت في الانتخابات الماضية. يقول الحسن: "كلما كان هناك توعية أكبر للمشاركة في الانتخابات وخطوات جدية من قبل الحكومة لطمأنة الناس لجهة نزاهة العملية ستكون النتائج الايجابية أكبر ولمصلحة الوطن".

بالتزامن, تحاول الهيئة وضع قضايا الشباب كأولوية على أجندات المرشحين بعد أن حددت مطالبهم وتطلعاتهم في مسح مسبق. وهي تخطط لعقد مناظرات مع المرشحين حتى يضعهم الشباب "على المحك" قبل الاختيار حسب معايير تعتمد على "مبدأ الكفاءة للوصول إلى مجلس نيابي يرقى إلى دوره الدستوري ويكون رافعة لعملية التنمية المنشودة".

رسام الكاريكاتور السياسي الاجتماعي الساخر عماد حجاج, ابتكر شخصية من وحي "ابو محجوب" كنقطة ارتكاز لتصميم الحملة الوطنية التي تحث على تكثيف عملية التسجيل والمشاركة في الانتخابات المقررة في 9 تشرين الثاني.

شخصية "أبو محجوب" التي ابتكرها حجاج عام 1993 غدت نجما شعبيا ولسان حال الناس الذي يفصح عن مكنون صدورهم تارة بين موظف مرتش لئيم ومرة مواطن غلبان طيب القلب, أو والد مستبد أو عجوز متسلط وأحيانا متصلب.

يقول حجاج, الذي عادة ما تتهمه القوى المحافظة بالسوداوية: "مهما قيل في عيوب تجربتنا الديمقراطية, فلا ينبغي أن يكون ذلك سببا للنكوص عن المشاركة والتصويت ومحاولة التغيير بطريقة سلمية حضارية".

الحملة الوطنية تركز أيضا على تحفيز المشاركة النسائية وحثهن على اختيار المرشحين بحسب قناعاتهن بعيدا عن الضغوط في المجتمعات الذكورية, سيما بعد أن ضاعفت الحكومة إلى 12 عدد مقاعد الكوتا المخصصة للنساء في المجلس القادم.

وزير التنمية السياسية موسى المعايطة يرى في مقابلة مع كاتبة المقال أن "الرهان الرسمي ينصب على طلاب الجامعات لإحداث تغيير نوعي في نتائج الانتخابات بخاصة أنهم, بعكس كبار السن, لا توجد عندهم صور نمطية وأفكار مسبقة".

لكن حسن نوايا الحكومة وجهدها التحفيزي, قد لا تكفي لتغيير سلبية قطاعات مجتمعية واسعة فقدت الأمل في إحداث تغييرات إيجابية. فالصورة على ارض الواقع مختلفة. الشباب والنساء مثلا ليسوا فئة معزولة عن المجتمع الأكبر. أخطر أشكال العنف الجماعي التي سجلت أخيرا كان مصدرها الشباب. وتظهر المسوحات الميدانية انحسارا غير مسبوق في الولاء الوطني لدى الشباب لحساب الهويات الفرعية بكل إشكالها, وعودة قوية إلى العشيرة والمنطقة. وتعكس نتائج تلك الدراسات واقعا ملموسا في الجامعات, حيث يقوم الفرز في أوساط الطلاب على أسس عشائرية ومناطقية ضيقة تعيش صراعا دائما فيما بينها. إحدى الدراسات على عينة من 5.000 شاب وشابة توصلت إلى أن 59 % منهم يؤمنون بأن العشيرة أفضل تنظيم جماعي-سياسي مقابل 26 % يعتقدون بأن الحزب أفضل من ذلك الوعاء التقليدي. أجاب 56 % من العينة بأنهم ينوون المشاركة في الانتخابات القادمة; 24 % منهم سيختارون مرشحين "مستقلين موالين للحكومة", ومثلهم سيعطون أصواتهم لمرشح العشيرة و 13 % لجبهة العمل الإسلامي. واحد من كل خمسة شباب في العينة ذاتها أجاب بأنه لا يعرف لمن يدلي بصوته.

فهل ستنجح حملة الحكومة في تغيير القناعات الراسخة بأن المجلس القادم سيكون نسخة كربونية عن سابقه الذي حل في منتصف الطريق? هل توفر الإجراءات الموعودة ضمانات كافية لتشكيل مجلس جديد أكثر كفاءة من مجلس 2007 وأقل من المجالس التي انتخبت مطلع التسعينيات, لتحقيق الإصلاح المتدرج والنضوج السياسي بالاندماج في الهوية الوطنية الجامعة وبالتنمية العادلة وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار وضمان إسماع أصوات دافعي الضرائب? وهل ستفلح الدولة في قلب معادلة صنع المستقبل عبر تجديد النخب بعيدا عن قوى الشد العكسي المتنفذة في الجهاز البيروقراطي التي تعمل على تأجيل المؤجل في عصر تمليه ضرورة التكيف مع تحديات العولمة?

في انتظار معجزة تطيح بالسلبية المجتمعية المتكاثرة, لا بد من المحافظة على بعض الايجابية, اقله لحين ثبوت العكس. فإضاءة شمعة خير من لعن الظلام