هل يدفع الوطن ثمن خطايا الحكومات؟

هل يدفع الوطن ثمن خطايا الحكومات؟

الأحداث الأخيرة التي شهدتها مختلف المناطق مع استمرارها في حدتها وانفعالها إلى هذا الحد غير المسبوق احتجاجا على رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية، تطرح تساؤلا مشروعا يردده الكثيرون منذ زمن ليس بالقصير فيما إذا كان الوطن سيدفع بالتالي ثمن خطايا الحكومات المتعاقبة على مدار حوالي عقد من السنين، يأتي الجواب هذه الأيام شاهدا على أعمال التخريب المدانة والمرفوضة التي تطال الممتلكات العامة والخاصة، حتى لو وصلت الظهور إلى الحائط ولم تستطع رسائل الحراكات الشعبية على مدار العامين الأخيرين اختراق الأسماع الملبية لاهدافها لتتحول في بعض أنماطها إلى ما لم يكن معهودا من قبل!

لا شك أن الأزمة المالية الحكومية الحادة ليست وليدة اليوم إنما هي نتيجة تراكمية لسياسات حكومية تجاوزت الأخطاء فيها حدود المعقول لينطبق عليها مفهوم "الخطايا" بكل ما تعكسه من أخطار لا بد وأن تحدق بالوطن والمواطن في نهاية المطاف، ولعل خير دليل على ذلك هذه النيران المشتعلة على اكثر من صعيد وما تتصدره من شواهد مؤلمة في الداخل والخارج تمس سمعة الأمن والاستقرار الوطني!

وصول العجز إلى اكثر من خمسة مليارات دينار في موازنتي العامين الأخيرين والمديونية العامة إلى ما يفوق ستة عشر مليارا أخرى، كان مثالا حيا على أن الوطن برمته سيدفع ثمنا باهظا للخطايا الحكومية ما دام حبلها على الجرار أيضا، في الوقت الذي تسلّمت فيه الحكومات المتعاقبة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين اقتصادا وطنيا استطاع أن يتعافى من آثار الهزة المالية العنيفة التي عصفت حتى بقوة الدينار الأردني وسعر صرفه مقابل الدولار في أعقاب أحداث عام 1989، حيث تم استثمارها لتصبح نقطة تحول كبرى في نقل الأردن إلى آفاق واعدة في التعامل مع جميع قضاياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.!

العامل الرئيسي الذي ارتكزت عليه مقومات النهوض من "الكبوة" وما أحدثته من إنجازات سياسية مهمة، هو تطبيق برنامج تصحيح اقتصادي شامل كان للمواطن دور أساسي فيه من خلال تحمله لأعباء الضرائب والتقشف ما دام قد اتسم بالجدية التي حققت النجاح على أرض الواقع طيلة عقد التسعينيات من القرن الماضي، وتقلصت بفعله المديونية إلى ما لا يتجاوز سبعة مليارات دولار وفق الأرقام المعلنة في ذلك الحين!

لكن الحال لم يدم طويلا فبدلا من أن يتم البناء على هذا الإنجاز الوطني في تصويب المسيرة الاقتصادية ومواجهة ما يستجد من تحديات قد تعترضها، ساد نهج مغاير تماما لم يكتف بتضييع كل معالم الصحة والعافية التي تم تحقيقها بل أودى بما هو فوق الأرض وتحتها من مقدرات الوطن بعمليات خصخصة وظواهر فساد كبرى ومتشعبة في قضاياها، تزامنت كذلك مع ضياع البوصلة في التخطيط المدروس للوضع الاقتصادي والمالي وكيفية معالجة اختلالاته الطارئة وهدر بين في الإنفاق الحكومي على حساب موازنات خاوية!

يظل التساؤل الأهم بعد أن آلت الأمور إلى ما هي عليه .. هل دنت لحظة الحقيقة في مراجعة مسؤولة لما يعتبر خطرا يدفع ثمنه الوطن، بعد أن ثبت أن الحكومة الحالية قد دفعت في هذا الاتجاه على أمل إنقاذ البلاد والعباد إنما بقرارات استفزت الناس وأخرجتهم عن طورهم حين رمت بأثقال الخطايا الاقتصادية والمالية للحكومات المتعاقبة على ظهورهم المنحنية ودخلهم المكدود في ما لا ذنب لهم فيه مرة واحدة عبر حسابات لم تكن دقيقة في معظم جوانبها!

تبريد الرؤوس الحامية من أبناء الوطن حكومة وشعبا وأحزابا ونقابات وغيرها من فئات المجتمع الأخرى هو المتطلب المستعجل، بعد أن أثرت سخونة حرارتها في صواب التفكير والتبرير والسلوك والشعار ليتحول إلى تعنت وعناد وتدمير عوضا عن التعامل العقلاني الواعي والمسؤول مع وطن يجب أن يتسع للجميع وأن يراعي شؤونهم وشجونهم ويفتح صدره لتعبيرهم وآرائهم في الخروج من هذه المحنة التي أصابت ما لم يكن في أي حسبان منذ أيام معدودة!

العرب اليوم

أضف تعليقك