هل ولّى زمن الهراوة؟!

هل ولّى زمن الهراوة؟!

هل كان من الحكمة أن يمنع محافظ العاصمة الاعتصام الرمزي الذي أقامته المكاتب الشبابية لأحزاب المعارضة، وأطلقت عليه "بيت عزاء على روح المواطن" الذي قالت إن ارتفاع الأسعار أدت إلى وفاته؟!

الاحتجاج جرى رغم المنع، وكان حضاريا بامتياز، شرب خلاله المعتصمون القهوة السادة على روح الفقيد/ المواطن، وقرأوا الفاتحة على روحه الطاهرة، واستذكروا صبره ومكابداته، ثم مضوا عائدين إلى بيوتهم!

فما الاعتبارات والحسابات التي خطرت في بال المحافظ، ودفعته إلى إصدار قرار لم يتجاوب معه المعتصمون، وبالتالي جاءت الحكمة من رجال الأمن الذين راقبوا المشهد من بعيد، ولم يتدخلوا.

صمت الشرطة إزاء الاعتصام كانت مبرراته في منتهى الحكمة، فالتجمع لم يكن المقصود منه العصيان المدني، ولم تتعطل في أثنائه الحركة التجارية، ولا حتى حركة المرور، ولم يُمس شخص أو متجر أو مصلحة بأي خدش، فلماذا يُمنع مثل هذا الاعتصام الذي ابتكر خلاله الشبيبة فكرة رمزية خلاقة طبقوها بشكل إبداعي، وقدموا رؤية جديدة للمعارضة تقطع الصلة بالماضي التقليدي لفكرة التظاهر والاحتجاج.

من مصلحة البلد أن تكون هناك حركة مناهضة للسياسات الحكومية وغير الحكومية، لا سيما إذا اتصل الأمر بمعارضة رفع أسعار سلع أساسية وفرض ضرائب، وإرهاق كاهل الناس بما لا يستطيعون معه صبرا أو تحملا، ولا حتى تكيّفا.

فهل يريد محافظ العاصمة أن ينطبق على حالنا القول إذا تكلمتم قطعنا ألسنتكم، وإذا صمتم مُتم بغيظكم؟ هل يستكثر المحافظ على الناس أن تحتج، أن تعترض، أن تصرخ، أن تنفّس عن احتقاناتها وقهرها بشكل حضاري كما يفعل المتضررون في سائر أنحاء الأرض، وآخرهم كان الناشطون في تورتنو بكندا الذين احتجوا، أول من أمس، على قرارات قمة مجموعة العشرين التي تعد دولها الأغنى والأكثر رفاهية في العالم؟!

فهل كان منع الاعتصام الرمزي "بيت عزاء على روح المواطن" قرارا مرتجلا وسريعا ومزاجيا، أم أنه جاء وفقا لاعتبارات ذاتية لا تمثل بالضرورة دور الدولة التي أباحت أجهزتها، فيما مضى، تظاهرات واعتصامات كانت أشد سخونة وحساسية من الزاوية السياسية، ولربما الأمنية؟!

كنا امتدحنا سلوك رجال الأمن الذين حموا ورافقوا المحتجين ضد قرصنة إسرائيل لأسطول الحرية وقتل ناشطين أتراك كانوا على متنه، كما أشدنا في الوقت ذاته بسلوك المحتجين الغاضبين الذي عبروا عن ألمهم بشكل مسؤول ومحترم، وهو الشكل الذي سار على هديه أعضاءُ المكاتب الشبابية لأحزاب المعارضة في ساحة المسجد الحسيني.

منع التظاهرات السلمية والاعتصامات المدنية والاحتجاجات الحضارية أضحى من قيم الماضي، ولا يجوز أن نظل نتحدث عن الحراك الإصلاحي والانفراج الديمقراطي ونحن ما نزال نفكر بعقلية الهراوة وتكميم الأفواه، ونتلذذ في قمع آراء المخالفين ومحاربتهم!

الغد

أضف تعليقك