مرة أخرى تأتي علينا حرارة الصيف. ومرة أخرى ترتفع معاناة الناس واستغاثتهم على جسر الملك حسين المكتظ بالمسافرين. ولكن وللأسف فان تلك الطلبات بالاستغاثة تختفي بسرعة ذوبان البوظة تحت درجات حرارة وادي الأردن المرتفعة.
إن جسر الملك حسين هو نقطة العبور الوحيدة المتاحة للفلسطينيين الثلاثة الملايين والنصف للسفر من والى الضفة الغربية. يفتح رسمياً من الساعة الثامنة صباحا وحتى منتصف الليل، ولكن في الواقع تغادر آخر حافلة في الساعة العاشرة مساءً ويتم توقف قبول المسافرين في كثير من الأحيان في الجانب الأردني في الساعة التاسعة مساء بسبب الازدحام في الصيف.
تشير الإحصاءات الصادرة عن الجانب الفلسطيني أن عدد المغادرين من الضفة الغربية خلال أول الصيف هم أكثر من أولئك الذين يزورونها. فقد ذكرت السلطة الفلسطينية أن حركة الذهاب والإياب كانت معتدلة في الأسبوع الأول من شهر حزيران؛ وشهدت مغادرة 17473 شخصاً من أريحا ودخول 9411 إلى الضفة الغربية. لا تشمل هذه الإحصاءات سكان القدس الشرقية الذين يعبرون الجسر مباشرة من دون الذهاب إلى معبر أريحا. ويقدر عدد المقدسيين الذين يصلون إلى المعبر نفسه على الجانب الأردني بحوالي 3500 شخص في الأسبوع. لغاية الآن لم تصدر أية إحصاءات عن السلطات الأردنية.
منذ نشر تلك الإحصاءات، زاد عدد الفلسطينيين المسافرين إلى حد كبير، مما اضطر العديد من العائلات الفلسطينية لقضاء الليلة على الجانب الفلسطيني .
يتم إضافة الحجاج الذين يرغبون بأداء العمرة إلى الأعداد المتزايدة في المعابر المكتظة أصلا في أيام الأحد والأربعاء، مما يتسبب بمزيد من الفوضى والتأخير. وحتى بعد أن يتم تأمين دور أحدهم للصعود إلى الحافلة، فإن ساعات أخرى من الانتظار تصل إلى 6 ساعات أو أكثر وذلك فقط لعبور مسافة ثلاثة كيلومترات من جانب إلى آخر. إن المرافق الصحية على الجسر قليلة أو غير متوفرة والناس ينتظرون تحت أشعة شمس الغور الحارقة. إن الحافلات مكيّفة، ولكن الماء أو التسهيلات الأساسية في الحافلة غير متوفرة.
لقد اتخذ الأردن بعض التدابير للتخفيف عن المشكلة مثل توفير أرقام لأولئك المنتظرين. تكييف الهواء في الجانب الأردني لم يكن يعمل بكامل طاقته لبضعة أسابيع، مما جعل الركاب والعاملين في المعبر يتصببون عرقاً.
من المعروف أن الجانب الإسرائيلي لا يسمح للمسافرين باستخدام سياراتهم الخاصة مما يعني أن المسافرين يحتاجون إلى تغيير الحافلات ثلاث مرات للعبور. يتم طرح الأمتعة بإهمال وتفصل عنهم عند المغادرة أو الدخول إلى المعبر الإسرائيلي.
رغم هذه المعاناة والتي تناقش باستمرار من قبل الأسر المسافرة وأقاربهم فإنه نادراً ما تناقش هذه المسألة على أي مستوى رسمي. الرئيس الفلسطيني ووفده المرافق يدخلون دون أية مشكلة، ويستخدم كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية أموال دافعي الضرائب لدفع الرسوم الباهظة لخدمة كبار الشخصيات من خلال استخدام خدمات VIP. إن هذا لاحتكار أعطي لشركة أردنية وشركة إسرائيلية تحتسب كل منهما ما قيمته 46 دولاراً لنقل الركاب. كبار رجال الأعمال تقوم شركاتهم بدفع الرسوم عنهم. أما الأجانب والموظفون الدوليون فيستخدمون مدخلاً آخر وحافلتهم لا تنتظر كثيراً فلذلك لا يدركون المعاناة وساعات الانتظار التي يعاني منها السكان المحليون.
إن قليلاً من الجهد يبذل في محاولة لحل مشكلة فترة الصيف القصيرة أو المشكلة بشكل عام. يرغب الأردن ببناء معبر جديد، لكنه يفتقر إلى التمويل. وبدون حل سياسي فإن المملكة ما زالت تعتبر الجسر نقطة عبور مؤقتة وليست نقطة دولية. وفي حين أن الأردن لا يوجد لديه اعتراض على الحفاظ على الجسر مفتوحاً على مدار الساعة، فإن الإسرائيليين يعترضون. لا أحد يتحدث أو يفكر في إنشاء نقطة عبور ثانية أو حتى ثالثة.
لقد تم بذل جهد واحد بهدف الاستجابة لاحتياجات المسافرين الذين يعبرون الجسر وهو جهد "حملة كرامة الدولية لحركة الفلسطينيين"؛ وقد جمعت تلك الحركة على الفيسبوك 1490 عضواً من الأشخاص المناصرين للحملة.
إن "حملة الكرامة"، تحاول إيجاد سبل للسماح للناس كي يعبروا الجسر بكرامة. لقد حققت الحركة التي تم تأسيسها قبل عام بعض التقدم على الجانب الفلسطيني (في دمج نقاط الخروج)، ولكن لم تحقق أية اختراقات تذكر أو تخفيض فترات الانتظار. عقد مؤسس الحركة حازم قواسمة، مؤتمراً صحفياً هذا الأسبوع واصفاً إنجازات منظمته، وكشف خلاله أن أعضاء من حملته التقوا مع مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في رام الله وسلموها طلباً للتدخل بشأن تخفيف المعاناة عند المعبر.
إنه من الطبيعي بالنسبة لفلسطينيي الأراضي المحتلة أن يأخذوا المبادرة للقيام بهذا الجهد. ولكن حان الوقت لأن يشارك لاعبون إقليميون ودوليون في هذه الكارثة البشرية اليومية. يحتاج الأردن الذي وقّع معاهدة سلام مع إسرائيل، أن يولي هذه المسألة اهتماماً أكبر من ذلك بكثير. إن زيارة كبار المسؤولين إلى جسر الملك حسين من شأنها أن تعمل المعجزات. واقتراح آخر أكثر شجاعة يكون بأن يقوم جلالة الملك نفسه بتمثيل دور المسافر ليكون الشاهد لنفسه في ما يعانيه الآلاف من الناس يومياً ويعبر الثلاثة الكيلومترات عبر نهر يكاد يجف تقريباً ويحمل اسم الأردن.