هل هذه "القناعة" في محلّها؟!

هل هذه "القناعة" في محلّها؟!
الرابط المختصر

بانتظار تنفيذ قرار رفع تعرفة الكهرباء خلال الأيام القليلة المقبلة، فإنّ "التوقعات الرسمية" هي بأن تكون التداعيات الشعبية محدودة وضعيفة مقارنةً بما حدث في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بعد تغيير سياسات دعم المحروقات، من احتجاجات شعبية واسعة النطاق!

تقف وراء هذه التوقعات قناعة طاغية في أوساط القرار ودوائره تدفع إلى الشعور بالاطمئنان وعدم القلق تجاه الأوضاع السياسية، مع انعدام الحراك الشعبي خلال الفترة الأخيرة، والأزمة الداخلية التي تعاني منها جماعة الإخوان المسلمين، والخلافات البنيوية الحادة بين قوى المعارضة، والتي تكاد تُنهي حياة جبهة الإصلاح الوطني؛ وكذلك ما يحدث في مصر وسورية من تحولات تعزّز مشاعر "الخوف" لدى الأردنيين من دعوات التغيير والإصلاح.

الوضع السياسي العام، وفقاً لهذه الخلاصة، مستقر وهادئ ومريح، لتبقى المشكلة الحقيقية هي الأزمة الاقتصادية والمالية. بل يذهب أحد السياسيين إلى أبعد من ذلك، عندما يقول إنه "أثبتت الأحداث الأخيرة أنّنا أخطأنا خلال السنوات الماضية في تعريف المشكلة والأولويات المطلوبة؛ فكان الأجدى التركيز على الجانب الاقتصادي والأزمة المالية، بدلاً من القيام بجملة الإصلاحات السياسية التي لم تغيّر من الواقع شيئاً"!

هل هذه القناعة في محلّها؟! على النقيض من ذلك تماماً، فإنّ قراءة المشهد السياسي، من الوجه الآخر، تدفع إلى القلق الشديد وعدم الارتياح، بل وضرورة الإسراع في التفكير في حلول ومبادرات وطنية، مع استثمار حالة الاسترخاء الراهنة، بدلاً من العمل تحت ضغوط الشارع، وكأنّنا لا نتقن غير عقلية عمال "المياومة"؛ فنغير الاتجاه تبعاً لتطورات المشهد اليومي، لا وفقاً لاستراتيجيات مدروسة ورؤى مستقبلية راسخة!

إذن، ماذا يقول الوجه الآخر للمشهد؟..

يقول إنّ "المبررات" (المذكورة) التي تقف وراء الهدوء في المشهد السياسي صحيحة، لكنّها بطبيعتها مزعجة، لأنّها تؤشر على الركود والملل اللذين يعتريان العملية السياسية ومشروع الإصلاح الوطني، ولا تعكس قناعة ذاتية جوهرية بأنّنا قمنا بالفعل بإصلاحات سياسية نوعية أعادت هيكلة المشهد السياسي؛ فلم تمنح ماكينة الدولة زخماً وحضوراً، ولم تُضفِ على المشهد السياسي حيوية ورونقاً، ولم تُعد الجميع إلى حدود الملعب!

المؤرق في الأمر أنّه بعد التعديلات الدستورية وقانون الانتخاب والانتخابات النيابية والمحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب والتحضير للانتخابات البلدية، والمشاورات النيابية التي أدت إلى اختيار عبدالله النسور رئيساً للوزراء، والحديث المتكرر عن الحكومة النيابية؛ كل ذلك لم يغيّر شيئاً من طبيعة المعادلة السياسية، ولم يشعر المواطنون أنّنا فعلاً عبرنا الخط الفاصل بين "الحلقة المفرغة" التقليدية في السياسة الأردنية، وبين الطموح بتطوير قدرات النظام السياسي وآلياته ليكون قادراً على منح علاقة الدولة بالمجتمع قوة دفع كبيرة للأمام.

الإصلاح المطلوب يحتاج إلى روح سياسية جديدة، تعيد إدماج اللاعبين السياسيين والقوى الجديدة، وتدوير النخب السياسية، وتجديد حيوية الدولة وروحها ورسالتها السياسية، وتقوية عودها عبر القانون والعدالة والقيم، في مواجهة "التمرد" السياسي والمجتمعي والخروج على القانون وانهيار المؤسسات التعليمية والمركزية الأخلاقية السياسية واقتتال النخب السياسية فيما بينها وخصوماتها المعلنة. كل ذلك يجعل من الوضع السياسي غير مطمئن ولا مريح، ومؤقتا؛ ينتابه الغموض والقلق مع كل منعرج تمرّ به البلاد والمنطقة، أو مع كل قرار يحتاج إلى "شرعية سياسية"!

التفكير بصورة فعّالة وموضوعية يدفع إلى تجاوز ما يطفو على السطح إلى العمق؛ واستثمار حالة الركود الحالية من أجل المراجعة وطرح مبادرات وطنية جامعة توافقية، بدلاً من الاستسلام لقناعات خاطئة تؤدي إلى مسارات أكثر تعقيداً وصعوبة مستقبلاً!

الغد

أضف تعليقك