هل نغتنم الفرصة للإصلاح بالأردن ..أم نضيع الوقت؟!

هل نغتنم الفرصة للإصلاح بالأردن ..أم نضيع الوقت؟!
الرابط المختصر

الحركات الشبابية الاحتجاجية التي نزلت إلى الشارع في الأردن طرحت شعارات كثيرة أبرزها تعديل الدستور، حل البرلمان، رفض الحكومة، بناء قوانين الديمقراطية مثل الانتخابات والأحزاب والتجمعات العامة، ومؤسسات المجتمع المدني، ولم تبتعد الأحزاب السياسية والنقابات عن هذه الشعارات كثيرا، ولم تطلق أي من التظاهرات والاعتصامات شعارات ضد النظام الملكي.

إذا كان الأمر كذلك فمن يفسر للأردنيين وأنا منهم لماذا تخرج مسيرات الولاء والبيعة لجلالة الملك وللهاشميين؟

من ينظم هذه المسيرات ويحشد لها ويكتب اليافطات يريد أن يوحي للعالم بأن الذين يخرجون في المظاهرات أمام المسجد الحسيني وفي مدن المملكة هم ضد الملك، وهؤلاء وحدهم أصحاب الولاء؟!

لا أعلم من هو العبقري الذي أفتى بإتباع هذه الطرق التي تجاوزها الزمن في التعبير عن الولاء، سألت قبل أكثر من أسبوعين مسؤول رفيع في الديوان الملكي فنفى أي علاقة لهم بالأمر وأبدى عدم إعجابه بهذه التوجهات والتصرفات، وذات الأمر حين طرحت السؤال على وزير للحكومة قبل أيام حيث أكد لي أن الحكومة لا تعرف من يوعز بعمل ذلك وأنهم لا يؤيدونها.

منذ زلزال الديمقراطية العربي الذي بدأ في تونس وانتقلت عدواه إلى مصر وتعيش المخاض الصعب ليبيا بعد أن تحولت الثورة السلمية على نظام العقيد القذافي إلى مواجهات مسلحة يستخدم فيها النظام الدبابات والطائرات ضد المدنيين العزل، منذ ذلك الوقت والأردن يعيش أزمة وارتباك، وجل ما يحدث حتى الآن كلام عن الإصلاح دون عناوين واضحة، وبلا أجندة زمنية محددة وآليات واضحة للتحرك، وأكثر ما فعلناه وأنجزناه الدعوة لتشكيل لجنة للحوار الوطني وحتى الآن لم تر النور ويدور جدل على عددها وأعضائها وهل يصدر كتاب تكليف سامي من الملك إلى رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري بقيادتها، وفي هذه الأثناء يدافع مجلس النواب عن كيانه، والأغرب أنه ما زال يسأل هل تأسيس نقابة المعلمين أمرا دستوريا.. وقبلها بأسابيع كانت حكومة د.معروف البخيت تعلن بأنها ستلبي مطالب المعلمين بتأسيس نقابة لهم، ولنفترض أنها تعارض الدستور، فنجيب الدستور غير مقدس وآن الأوان لتعديله!

ما أسأله وربما يسأله غيري هل قصة الإصلاح ملتبسة علينا الى هذه الدرجة.. وهل نحتاج إلى خارطة طريق ولجان، ولجان للجان، وأشهر طويلة لخلق تفاهمات مجتمعية، أم أننا نضيع الوقت كما فعلنا منذ عقدين من الزمن، ونريد أن نعرف أين يمضي مسار الإصلاح العربي لنعرف الخطوات التي يجب أن نتقدم بها؟

لا أعتقد أن التغيير المنشود خلافي في الأردن لهذه الدرجة، واذا كانت الحكومة تحتاج إلى خارطة طريق فلتنفض الغبار عن الأجندة الوطنية التي تعبر عن تفاهمات سياسية مجتمعية ومرتبطة بأجندة زمنية.

واذا كان من ضرورة للجنة حوار وطني فهي لإقرار تعديلات على الدستور سواء بإنتاج دستور جديد، أو بالعودة لدستور 52 أو ما يراه المجتمع بمختلف أطيافه أنه ضرورة لإعادة إنتاج نظام ديمقراطي برلماني ملكي.

وهذه اللجنة لا تحتاج لانجاز عملها لأشهر وأعوام اذا كانت الإرادة السياسية صادقة في تحقيق ذلك، فالتعديلات التي لحقت بدستورنا في العقود الماضية لم تتطلب سوى أيام معدودة وربما ساعات تحت قبة البرلمان إذا كانت الطبخة جاهزة، والنظام أعطى الضوء الأخضر لذلك!

أما قوانين بناء الديمقراطية التي لحقها التعسف وأصبحت قوانين مقيدة للحريات وعاصفة بالإصلاح، فان وزير العدل حسين مجلي كان مهندس هذه القوانين بين أعوام 1989 – 1992، وإذا كانت الحكومة صادقة في نواياها والبرلمان أدرك أن هذا الزمان زمن التغيير فاتركوه يقدم لكم قوانين عصرية وديمقراطية بدءا من قانون محكمة أمن الدولة الذي صاغه أول مرة بعد عام 1989 ومرورا بقانون وثائق وأسرار الدولة وليس انتهاء بقانون الانتخاب والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، فما نريده مراجعة شاملة لقوانين بناء الديمقراطية لتتوافق مع المعايير الدولية وشرعة حقوق الإنسان.

والأمر ليس حصرا بالتشريعات ما يريده الشعب أيضا أن تستعيد الحكومة ولايتها الدستورية، وأن تتوقف الأجهزة الأمنية عن التدخل وإدارة شؤون الدولة، فالأمن يجب أن يعود إلى مواقعه وأن يلتزم بها وأن لا يصبح حكومة ظل وبرلمان ظل وإعلام ظل!!

كثيرة هي البديهيات التي نريدها ومنها الحريات الأكاديمية، وحرية العمل السياسي للطلاب في الجامعات، واستقلالية الإعلام، ومطالب أخرى باتت معروفة للجميع فهل ما نقوله طلاسم لم تعرف حتى الآن عند أولي الأمر!

مرة أخرى لم يعد لدينا ترفا من الوقت نضيعه في مسيرات نفاق لا تفيد النظام، بل تضر صورته، فهذا أوان العمل واغتنام الفرص لبناء صدقية الفعل والتغيير على أرض الواقع، حتى لا تفرط "المسبحة" من بين أيدينا.