هل نشهد موجة احتجاج جديدة؟

هل نشهد موجة احتجاج جديدة؟
الرابط المختصر

على وقع القرارات الاقتصادية للحكومة، يدور في أوساط النخب الحزبية والسياسية سجال يمكن تلخيصه بسؤال: هل تُفجر الضغوط المعيشية لعامة الناس موجة احتجاج جديدة في الأردن؟

من الناحية النظرية، السؤال منطقي. فأينما وليت وجهك، تسمع شكوى مريرة من ارتفاع الأسعار، وعدم القدرة على الوفاء بمتطلبات الحياة، وحالة من السخط الشديد على حكومة أقل ما يقال عنها إنها حكومة لا تجيد غير رفع الأسعار، والاعتماد على جيب المواطن لسد العجز في الموازنة.

بصرف النظر عن دقة هذا التشخيص لسياسات الحكومة من عدمه، فإن المناخ الشعبي العام تجاه حكومة د. عبدالله النسور يتسم بالعداء الظاهر

. بالطبع، لا يتوفر قياس علمي للرأي العام واتجاهاته حيال الحكومة؛ فآخر استطلاع لمركز الدراسات الاستراتيجية أظهر استقرارا نسبيا في شعبية رئيس الوزراء، وتراجعا محدودا في ثقة الرأي العام بالفريق الوزاري، وكان ذلك قبل التعديل الوزاري الأخير.

وبالتعريف النظري أيضا، تبدو الظروف مهيأة لانطلاق حركة احتجاج واسعة. وقد حاول نشطاء من التيار القومي اليساري، وحركات أخرى، تحريك الشارع، مستفيدين من حالة الاحتقان السائدة. كما صعّدت أحزاب سياسية ووجوه برلمانية من لهجة خطابها ضد الحكومة، وتوالت الدعوات المطالبة برحيلها.

لكن في الواقع لم يتحرك الشارع، وإنما بضع مئات من النشطاء في عموم البلاد اعتادوا على التظاهر نهاية كل أسبوع. وقبل القرارات الأخيرة للحكومة؛ والمتعلقة بالكهرباء والملابس المستوردة، وتوقيف عدد من النشطاء السياسيين، تراجعت أعداد المشاركين في هذه المسيرات بشكل ملحوظ، ثم ما لبثت أن زادت نسبة المشاركة بشكل بسيط، لكنها ظلت أقل بكثير من حجم المسيرات التي كانت تخرج في الأسابيع الأولى من "الربيع العربي".تراجع الحراك الشعبي يعود لثلاثة أسباب رئيسة: السبب الأول، الانقسام الحاد في صفوف قوى وأحزاب المعارضة على خلفية الموقف من التطورات في سورية.

والثاني، الضربة الموجعة التي تلقتها الحركة الإسلامية بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر. والثالث، انتهاج سياسة رسمية مرنة مع الحراكات وتجنب الصدام الدموي معها، والعمل في الوقت نفسه على تفكيكها من الداخل، ودمج تيار غير قليل منها في عملية الإصلاح التي تبنتها الدولة.

لكن الأهم من ذلك كله هو أنه، ومنذ انطلاق موجة التغيير في العالم العربي، لم تتبلور في الأردن حركة شعبية موحدة، تتمتع بعمق اجتماعي وسياسي. ولذلك أسباب عديدة يطول شرحها.في اعتقادي أن هذه المعطيات لم تتغير، لا بل إن تأثيرها يتعزز بشكل أوضح.

أكبر الحركات السياسية في البلاد، وأعني الحركة الإسلامية، لا تبدو ميّالة اليوم إلى التصعيد، وتتسم لغة قادتها بالهدوء والرغبة في الحوار.وهناك اتجاه واسع في البلاد لا يريد أن يغامر بتعريض حالة الاستقرار الفريدة في الإقليم، ويقبل بعملية إصلاحية متدرجة، ولكن مبرمجة وموثوقة، عوضا عن الدخول في صدام تبدو نتائجه معروفة سلفا عند النظر إلى الحالة المأساوية في سورية، أو الوضع المتدهور في مصر.بيد أن هذا السلوك الواقعي والمسؤول لا يكفي لتبديد حالة الاحتقان الشعبي، ولا يحمل حلولا ملموسة للمصاعب المعيشية التي تعاني منها أغلبية عريضة.

 ولهذا، يخشى الكثيرون من مبالغة الدولة في الرهان على واقعية الشارع، والإفراط في استثماره بمزيد من السياسات التقشفية؛ بدون تبني برنامج مواز "عملي وعاجل"، يخفف على الطبقة الوسطى والفئات الشعبية الأثر المدمر لتلك السياسات.

يمكن للكثيرين أن يشاركوا أصحاب القرار في مؤسسات الدولة شعورهم بالطمأنينة تجاه الشارع. لكن على المدى المتوسط، ربما نفاجأ بانقلاب في المزاج؛ عندها قد تتطابق المقولات النظرية مع السلوك العملي.

الغد