هل نحتاج التعديلات الدستورية؟
طبعا نحتاجها، لكن ليست المطروحة علينا الآن، ويمكن أن نعمل ما ننوي عمله من دونها، وأقصد إعادة تفعيل وزارة الدفاع، واضطلاع الهيئة المستقلة بالانتخابات البلدية. لكن الوسط المحافظ في بلدنا يتحمس لإعطاء أهمية لمتطلب كهذا أكان من أجل التغيير أو مقاومة التغيير.
يقول التعديل الدستوري الذي أنشأ الهيئة المستقلة للانتخاب "تشرف الهيئة على الانتخابات النيابية وتديرها في كافة مراحلها كما تشرف على أي انتخابات أخرى يقررها مجلس الوزراء". وبالنسبة لي، وقد شاركت في إقرار هذا النص، فإن سياقه يعطي لمعنى الإشراف على أي انتخابات أخرى نفس معنى وطريقة الإشراف على الانتخابات النيابية؛ أي إدارتها في كافة مراحلها، وليس هناك في هذا النص أو غيره ما يعطي لأي جهة أخرى دورا باستثناء ما تقرره "الهيئة" وتحت إشرافها. لكن عندما أرادت الحكومة في حينه أن تشرف الهيئة المستقلة للانتخاب على الانتخابات البلدية الأخيرة، رأى البعض أن النص الدستوري لا يخول "الهيئة" حق إدارة العملية في كافة مراحلها. وهذا التزمت المفتعل في التفسير دفع رئيس "الهيئة" في حينه، عبدالإله الخطيب، إلى معارضة هذا التكليف، لأن دور "الهيئة" سيكون ملتبسا، وقد تصبح مجرد شاهد زور على هذه الانتخابات!
أما تفعيل وزارة الدفاع، فهو بالطبع لا يحتاج إلى تعديل دستوري؛ إذ هي موجودة، لكن درجت العادة منذ العام 1970 على إناطة مسؤوليتها برئيس الوزراء. وهكذا اختفت كمؤسسة وجهاز، وأصبح لرئيس الوزراء المسؤولية الشكلية بتوقيع القرارات كوزير للدفاع. ولا ندري كيف نضجت فكرة عودتها، ولا أرى أساسا لربطها بموضوع "داعش" والتهديدات الأمنية؛ فلا شيء يحول دون القيام بكل ما هو ضروري لمواجهة التحديات العسكرية والأمنية. لكن الفكرة إصلاحية ومؤسسية وضرورية وفق التجربة، وفي ظل تعدد وتوسع مسؤوليات قيادة القوات المسلحة لتشمل مرافق ووظائف غير ذات صلة مباشرة بالدفاع والعمل العسكري، وهي تستهلك دور ووظائف القيادات العسكرية وفق الحيثيات الواردة في رسالة جلالة الملك وردّ رئيس الوزراء.
لكن ربط قرار تفعيل وزارة الدفاع بنقل سلطة تعيين رئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات العامة الى الملك مباشرة من دون تنسيب من مجلس الوزراء، أدى الى طرح العديد من الاستفسارات حول المشروع.
بعض التعيينات، وخصوصا رئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات العامة ومدير الأمن العام ومدير الدرك، هي واقعيا للملك، حتى لو كانت شكليا ودستوريا تمر عبر التنسيب الحكومي؛ والملك دستوريا هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. لكن تسويق الفكرة انطلق من تحسبات للمستقبل؛ إذ نتوجه الى حكومات برلمانية كاملة، وربما حزبية في المستقبل، وبالنظر الى تجربة البلدان العربية، فإنه يستحسن إبقاء مؤسسة الجيش والأمن الوطني وتعيين مسؤولها الأول بعيدا عن التجاذبات السياسية والانقسامات الداخلية، ولعل وضعها تحت سلطة الملك المباشرة يعطي ضمانة دستورية واضحة للوحدة والأمن والاستقرار مهما بلغت الخلافات، أو جاء من جاء لقيادة الحكومة.
بهذا المعنى، لا نجد مشكلة في القرار؛ فكل أردني يرى في الأمن والاستقرار لمجتمعنا وكياننا الوطني ونظامنا السياسي أولوية ثمينة، تسمو على كل ما عداها. وقد ترسخ هذا الإيمان إذ أصبحنا الجزيرة الناجية وسط بحر من الدم والدمار غمر الأوطان والمجتمعات.
الغد