هل كان بالإمكان؟!

هل كان بالإمكان؟!
الرابط المختصر

يجادل المسؤولون بأنّ إجراء الأردن لانتخابات بلدية نظيفة وناجحة في مثل هذه الأجواء الإقليمية التي تمرّ بدول المنطقة من حولنا؛ حيث بحور دماء وفوضى وعدم استقرار، هو بحد ذاته إنجاز وطني مهم، ومؤشّر على أنّ الأردن يسير في الاتجاه الصحيح!

لا نجد من يختلف مع المسؤولين على أهمية الاستقرار والأمن والسلامة المجتمعية، وعلى استدامة هذه الميزة الكبيرة.

لكن في المقابل، لا يجوز استثمار ذلك لتبرير الفشل في إدارة ملف الانتخابات البلدية؛ إذ مرّت كأنْ لم تكن، فلم تحظ باهتمام حقيقي داخلي وخارجي، وبقيت على هامش الاهتمام الإعلامي والسياسي، بل حتى الشعبي.

الحديث لا يقتصر هنا على موضوع نسب الاقتراع، بخاصة في المدن الكبرى. وهي مسألة مهمة بالتأكيد، لكنها ليست المقياس الوحيد، بخاصة أنّ الحكومة لم تعتمد التسجيل، ما جعل المواطنين فوق سن 18 عاماً جميعاً بمثابة مسجلين، وهو ما ينعكس بالضرورة في تحجيم نسبة الاقتراع مقارنة بالانتخابات النيابية مثلاً.

بالرغم من هذا التبرير المنطقي، إلاّ أنّ نسبة الاقتراع في عمان والزرقاء حتى ساعات مساء أمس، مخجلة.

بل إن مشهد هاتين المدينتين الأكثر كثافة سكانية، كان أشبه بيوم العطلة والمتعة، لا يوم انتخابات بلدية.

فيما مثّل العامل العشائري المحرّك الوحيد لسكان المحافظات والبلديات الأخرى للاقتراع، وبنسب أيضاً متواضعة حتى ساعات مساء أمس!

لم تعمل الحكومة بصورة جديّة، إعلامياً وسياسياً وشعبياً، لإنجاح الانتخابات؛ ولم تحضّر الرأي العام لها.

كما لم تحاور القوى السياسية لمنح هذه الانتخابات بريقاً سياسياً ومجتمعياً، وكان هنالك فقر مدقع في المرشحين، وعزوف للشخصيات التي تمتلك رصيداً من السمعة الشعبية!

التخبط الإعلامي والسياسي والإداري شمل، أيضاً، توصيف دور الهيئة المستقلة للانتخاب.

إذ كان يفترض من حيث المبدأ، وكما هي حال النماذج الأخرى، أن تمثّل الانتخابات البلدية تطويراً وتجذيراً لحضور الهيئة ودورها، طالما أنّنا أمام مؤسسة إدارية أنشئت لهذه المهمة.

ما جرى في هذه الانتخابات، أيا كان تفسير النصوص القانونية والتشريعية، هو تحجيم واختزال لدور الهيئة المستقلة. ووفقاً للتشريعات، فإنّ المادة 67 من الدستور تحدثت عن أنّ مهمة "الهيئة" الإشراف على الانتخابات النيابية وإدارة مراحلها، والإشراف على أي انتخابات أخرى يعهد بها إليها مجلس الوزراء.

أما المادة 25 من قانون البلديات، فنصّت في البند الأول من فقرتها الأولى على أنه "يجري الانتخاب العام لجميع المجالس البلدية... باشراف لجنة مكونة من رئيس وأربعة أعضاء يسمي رئيس المجلس القضائي رئيسها وعضواً فيها من قضاة الدرجة العليا ويسمي رئيس الوزراء الأعضاء الثلاثة الآخرين". فيما نص البند الثاني من الفقرة ذاتها على أنه "لمجلس الوزراء أن يقرر إناطة الإشراف على انتخاب المجالس البلدية للهيئة المستقلة".

أما "الهيئة"، فحلت هذا التداخل بين النصوص الدستورية والقانونية، بأن اقتصر عملها على الإشراف والرقابة، من خلال الملاحظات والتوصيات التي ترسلها "الهيئة" إلى اللجان الإدارية.

كنّا نتمنّى أن تكون صورة الانتخابات البلدية أفضل بكثير مما كانت عليه، وأن يكون وجه المقارنة هو بالنظر إلى التجارب الأفضل والنماذج المتقدمة، لا التجارب الأسوأ والأخطر.

كما كنا نتمى أن تكون الانتخابات خطوة جديدة على طريق تعزيز النموذج الإصلاحي وتطويره، وتفكيك الأزمات الاقتصادية والسياسية والإدارية والتنموية، واجتراح أفق سياسي جديد في البلاد؛ لا أن تكون باهتة، كما رأينا.

فما حدث هو ما دون الحدّ الأدنى من الجهد والتخطيط والإدارة! وقد كان بالإمكان أفضل بكثير مما كان!

الغد