هل فقدت قضية حجب المواقع فعاليتها؟

هل فقدت قضية حجب المواقع فعاليتها؟
الرابط المختصر

يبدو أن قضية حجب المواقع الإخبارية في طريقها إلى الانتهاء بعد أن زادت إشارات عدم فعاليتها التقنية ونجاح حالة العصيان الاليكتروني والتحايل على الحجب التي تمارسها العديد من المواقع الإخبارية الرافضة للترخيص.

فقد بدا واضحا بعد مرور عدة شهور أن أكبر مزودي الانترنت في الأردن شركة الاتصالات الاردنية ترفض من مدة تطبيق قرارات الحجب المتتالية والتي فرضتها لعبة القطة والفأر بين المواقع غير المرخضة ودائرة المطبوعات والنشر. فبعد الحجب الأول للمواقع في حزيران الماضي اكتشفت المواقع غير المرخصة والمحجوبة أن بامكانها التحايل على الحجب من خلال إصدار نطاق جديد (وهو يكلف ما معدله 20 دولار أمريكي فقط) ومن ثم يتم توجيه المادة في الموقع المحجوب للنطاق الجديد ويتم الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن العنوان الجديد.

ولم تبلغ دائرة المطبوعات والنشر أصحاب المواقع رسميا بقرار الحجب الأول، كما انها لم تبلغهم بحجب الروابط الجديدة.

 فالدائرة تأمر شركات الانترنت بالحجب ولكن بعضا منها مثل اورنج وكلكم إضافة الى مزودي الانترنت عبر الخلوي لم يرغبوا بتطبيق قرار الحجب، والبعض لم يستطع تنفيذه، إضافة إلى ذلك فقد قام العديد من مستخدمي الانترنت في الأردن بإدخال برامج بروكسي تسمح لهم بتجاوز الحجب حيث توحي لمزود الانترنت وكأنهم من بلد آخر حيث الحجب غير مطبق.

موقف شركة الاتصالات الأردنية (اورنج) لايزال غامضا، فقد نُفذت عدة اعتصامات أمام مقر الشركة، كما جرى التواصل مع شركة اورنج المالكة في فرنسا من قبل مدافعين عن حق التعبير والذين اقتبسوا من بيانات الشركة التي تتعهد خلاله بضمان حرية التعبير من خلال الانترنت.

يضاف إلى تلك الاختراقات ازداد اهتمام المواقع الإخبارية المحجوبة من اعتمادها على وسائل التواصل الاجتماعي والتي لم يشملها قرار الحجب، ربما لأن ميزانياتها أكبر من ميزانية الأردن كما قال المدعي العام الإدراي في تبريره لعدم منع مواقع عملاقة مثل جوجل و ياهو وفيسبوك والتي تتعامل مع الخبر الأردني. فقد وصل عدد المتابعين لمواقع محجوبة إلى عشرات الآلاف من المستخدمين الأمر الذي عوض عن نسبة كبيرة من المشاركين الأردنين الذين لا يستطيعون الحصول على المعلومة من مواقع أردنية علما أنها متاحة لباقي العالم.

فشل حملة حجب المواقع جاء أيضا من خلال عدم توقف المواقع الاليكترونية غير المهنية من الأعمال التي أرقت المسؤولين والتي اعتبرها العديد بما فيهم الملك بأنها اغتيال للشخصية. فقد رخصت معظم تلك المواقع الصفراء ولكن مضمون مواقعها لم يختلف في حين استمرت الشكاوى ضدها. ولقد كان خير دليل على عدم فعاليه فكرة ترخيص المواقع قيام الجهات الحكومية باعتقال ناشر موقع "جفرا نيوز" نضال فراعنه ورئيس تحرير الموقع أمجد معلا على خلفية نشر فيديو يقال إنه شكل إحراجا سياسيا للدولة.

والغريب في الموضوع أن فكرة ترخيص المواقع تم الترويج لها كونها ستحمي مالكي المواقع من تعسف الدولة فيما يوضح ما حدث عدم صدقية تلك الوعود وتوسيع العقاب حيث كان صاحب الموقع في الماضي يدفع الثمن في حين أصبح الآن صاحب الموقع ورئيس التحرير. كما يظهر قيام الحكومة بتحويل ملف معلا وفراعنه لمحكمة أمن الدولة عدم احترام مبادئ حرية التعبير وضمانات الحكومة والملك في عدم سجن صحفيين بسبب آرائهم وأفكارهم.

أما الفصل الأخير من مسلسل دائرة المطبوعات العبثي وفقدانهم للسيطرة على المبادء التي كان من شأنها وضع القانون المشؤوم بهدف تنضيم المواقع الالكترونية فقد تمثل بتهديدات فايز الشوابكة للمواقع غير المرخصة بأنه سيتم مقاضاتها قانونيا بسبب قيامها بإضافة مواقع جديدة ونقل مضمون المواقع لتلك المواقع. والمضحك في الأمر أن مدير عام المطبوعات يتعامل مع المواقع المحجوبة وكأنها مرخصة وخالفت الترخيص في حين أنها رافضة لفكرة الترخيص أساسا لنفس التخوفات من بطش وتقييد الدائرة والتي لا تملك الحق القانوني في وقف عمل مواقع كفله البند الخامس عشر من الدستور الأردني الذي حصر صلاحيات ذلك بالجهاز القضائي. فلا يوجد قانون أو نظام في الأردن يمنع المواطن أو الشركة من شراء نطاق جديد كل يوم ولا يوجد أي تشريع يمنع من يملك تلك المواقع الجديدة من تحميل أي مادة يراها مناسبة كانت في موقع محجوب سابقة أم لم تكن.

من الواضح أن الدولة الأردنية قضمت أكثر مما تستطيع أن تمضع عندما قامت بصورة أحادية بالبطش بالمواقع الالكترونية بدون التفكير على المدى المتوسط والبعيد حول إبعاد ذلك القرار المشؤوم والذي جلب على الأردن الانتقادات الشديدة من العديد من مؤسسات حقوق الإنسان في وقت كان ولا يزال الأردن في أمس الحاجة لإظهار إنجازات فكرية وتوسيع رقعة الحريات بدلا من تقييدها. ومن المتوقع أن تزداد الانتقادات في الاسابيع والاشهر القادمة بعد موافقة العديد من المؤسسات الدولية للانضمام إلى حملات إعلامية وإرسال كتب احتجاج للمسؤولين الأردنين.

الغريب أن القرارت غير المدروسة تسببت بموجه من الاحتجاجات في حين عملية الحجب لم تنجح في وقف الاعتداءات والتهجمات كما لم تتحرك الدولة قيد أنملة تجاه إيجاد حلول مشتركة مع أصحاب المواقع والإعلاميين الذين يوافقون على التنظيم الذاتي للمواقع في حين يرفضون كما يرفض العالم فكرة تقييد رسمي لعالم افتراضي لم تستطع حتى الدول غير الديمقراطية من السيطرة عليه.

محكمة العدل العليا الأردنية استمعت يوم الاثنين الماضي لمرافعة قوية بعدم دستورية التعديل الأخير على قانون المطبوعات والنشر والذي أتاح للسلطة التنفيذية ممثلة بدائرة المطبوعات والنشر التوغل على السلطة القضائية. ويبدو ذلك واضحا يوميا حيث تقوم الدائرة بدور المدعي والحكم في آن واحد عندما تقوم بأمر تلك الشركات التي تقبل أوامرها بحجب المعرفة عن الأردنين وهو حق دستوري مكفول لكل الأردنين.

لقد جاء الوقت للحكماء في الأردن بقبول النصائح التي كانت الأميرة ريم العليا قد أيدتها في مؤتمر معهد الصحافة الدولي والمتمثلة بضرورة إيجاد حل تشاركي لهذه المعظلة الصعبة. فالكل يوافق الحكومة بضرورة التعاون لتنظيم مهنة الإعلام بشكل عام والمواقع الالكترونية بشكل خاص. فبدلا من الحجب والتهديد بالقضاء فإننا نرغب برؤية مواقف النائب الأردني من دائرة السلطة الأولي والذي كان من معارضي تعديل قانون المطبوعات وصوّت ضده عندما كان تحت القبة ليصبح منفذا لذلك القانون غير الدستوري وبطريقة عشوائية كيدية لا تحترم المعايير الدولية أو التوجهات الملكية التي اعتبرت أن حرية التعبير في الأردن سقفها السماء.

  • الكاتب مدير عام موقع عمان نت وعضو منتخب في المجلس التنفيذي لمعهد الصحافة الدولي
أضف تعليقك