هل سيشكل الإنجيليون العرب جسرا مع الغرب؟

هل سيشكل الإنجيليون العرب جسرا مع الغرب؟

واجه المسؤولون في وزارة الخارجية الفلسطينية مشكلة مستعصية مؤخرا؛ فرغم الدعم العالمي الكبير للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير إلا أن عددا من قادة دول أميركا اللاتينية شكلوا معضلة بسب مواقفهم المؤيدة لإسرائيل وإعلانهم عن نقل سفاراتهم للقدس في تحد واضح للموقف العربي والعالمي والقرارات الأممية الخاصة بالقدس.

 

 

لم يكن موقف رؤساء تلك الدول تأييدا أعمى لسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بل جاء نتيجة مواقف ـ أعتبرها خاطئة ـ مبنية على أفكار دينية "صهيو-مسيحية" لهؤلاء القادة والذين تم انتخابهم على أساس مواقفهم اليمينية بما في ذلك دعمهم الأعمى لإسرائيل بناء على تلك المبادئ الدينية والتي تحاول الاعتماد على لاهوت بعض الإنجيليين الأميركيين المتصهينين.

 

 

المعضلة التي واجهت المسؤولين الفلسطينيين جاءت بسبب قناعاتهم أن أميركا اللاتينية، والتي يلعب اللاجئون العرب وخاصة الفلسطينيين دورا مهما في معظم دولها، هي في العادة مؤيدة للقضية الفلسطينية، وعدد لا بأس به من هذه الدول معترف بدولة فلسطين ويدعم فلسطين في المحافل الدولية.

 

 

 

للرد على ما يجري قرر وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، وهو ناطق بالإسبانية وعلى دراية بالوضع الداخلي في أميركا اللاتينية، أن يرسل وفدا من القادة والمفكرين المسيحيين من فلسطين إلى دول مثل غواتيمالا وهندوراس والبرازيل بهدف إقناعهم بالتراجع عن مواقفهم أو على الأقل تجميدها.

 

 

تشكلت الوفود من شخصيات مسيحية مثل رئيسة بلدية بيت لحم السابقة فيرا بابون ورجال دين مثل القس متري الراهب وغيرهم.

 

 

وكان ضمن الوفدين المتوجهين لتلك الدول عدد من المفكرين والمتحدثين المسيحيين من أتباع الطوائف الإنجيلية.

 

 

وكان المالكي على معرفة ببعض منهم، حيث شارك أكثر من مرة مسؤولون في الحكومات الفلسطينية ومنهم المالكي في مؤتمر يعقد كل سنتين بعنوان "المسيح على الحاجز"، وهو مؤتمر يهدف إلى مواجهة الأفكار الصهيونية المسيحية التي تستند على آيات خارجة عن السياق لدعم دولة إسرائيل.

 

 

ورغم أن الحكومة الفلسطينية لا تزال مترددة في الاعتراف الرسمي بتلك الكنائس المحلية الإنجيلية إلا أن خطوة الاستفادة من مفكرين وطنيين إنجيليين جاءت في مكان ومناسبة مهمة وللمصلحة الوطنية العليا.

 

 

 

وفعلا كان للمشاركة بشخصيات مثل القس جاك سارة رئيس كلية بيت لحم للكتاب المقدس والمحامي جونثان كتّاب رئيس مجلس الإدارة السابق للكلية والناشط في الحوارات المتعلقة بالإنجيليين وكان آخرها محاضرة في الأزهر الشريف عن دور الإنجيليين الفلسطينيين، أثرا إيجابيا كما جاء في تقارير مسؤولة الأميركيتين في الخارجية الفلسطينية حنان جرار.

 

 

التقت الوفود الفلسطينية مع المسؤولين في الدول التي زاروها كما كان هناك لقاءات حميمة مع الجاليات الفلسطينية والمتلهفة لدعم القضية الفلسطينية ولكن ربما أهم اللقاءات وأكثرها إثارة كانت مع قيادات كنائس وجمعيات إنجيلية في تلك الدول واستماعها لأول مرة لمواقف لمسيحيين مؤمنين بنفس العقيدة.

 

 

 

فمن الصعب إنكار أقوال من يتمسك مثلهم بالإنجيل عندما يتلو آيات تنظر لموضوع التفسيرات المجتزأة حول الوضع في الشرق الأوسط من منظور شمولي.

 

 

من الصعب على سبيل المثال لا الحصر التمسك بوعود إلهية في العهد القديم في حين ترفض أقوال المسيح عندما أكد أهمية السعي للسلام بقوله في الموعظة على الجبل كما جاء في إنجيل متى 5:9 "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون". كما من الصعب قبول أن اليهود هم شعب الله المختار في حين أنه حسب العهد الجديد لم يعد هناك بعد المسيح أي شيء يسمى شعب الله المختار.

 

 

لا شك أن السياسيين في كل العالم يستخدمون الدين لمصالحهم ومن الصعب التوقع من زيارة أو زيارتين وعرض مقنع للاهوتيين مسيحيين وطنيين أن يغير ما يجري في العالم من محاولة صهينة المسيحية، لكن تجربة الوفدين اللذين شاركا في اللقاءات في أميركا اللاتينية تضع المسؤولين في بلادنا أمام ضرورة الاستفادة من المخزون الإنساني الوطني المتوفر لدى المسيحيين المحليين التابعين للطوائف الإنجيلية والمقتنعين بوجود أخطاء في التفسيرات المستوردة من الخارج لتبرير انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني وتقديم أفكار لاهوتية مبنية على تجزئة غير مكتملة لما جاء في الكتاب المقدس.

 

 

من الضروري أن يقوم القادة السياسيون في منطقة الشرق الأوسط بتعزيز تواصلهم مع تلك الشخصيات الوطنية وتجاوز حصر علاقاتهم مع القادة المسيحيين من الكنائس القديمة وذلك للاستفادة من قدرتهم على جسر الهوة مع آخرين في الغرب يفهمون ما جاء في الإنجيل بطريقة خاطئة أو يحاولون عمدا تضليل شعوبهم بتلك الهرطقات.

 

 

فـ"الخوارج" الذين تحدث عنهم الملك عبد الله ليسوا في دين معين بل هناك خوارج في العديد من الديانات، وهناك تطرف مسيحي ويهودي من الضروري التصدي لهما بالحجة وعدم السماح باحتكار الدين للتفسيرات الخاطئة التي تبرر الاحتلال والاستيطان وسرقة الأراضي وقتل الأبرياء في حين أن رسالة السيد المسيح هي رسالة سلام وعدل.

 

الحرة

أضف تعليقك