هل ستضّيع الحركات اليسارية والتقدمية فرصتهم التاريخية؟

هل ستضّيع الحركات اليسارية والتقدمية فرصتهم التاريخية؟
الرابط المختصر

تواجه الحركات اليسارية والتقدمية في العالم العربي تهمة متكررة وهي أن قيادتهم لا رغبة لها في المشاركة في الحكم طبعاً إلا في حال السيطرة الكاملة. ولذلك تشعر أحيانا أن قيادات الحركات اليسارية لا تتفاعل مع فرص تأتيها أحيانا على طبق من فضة لأنها منشغلة بأمور أيدولوجية بعيدة عن الواقع.

مثال عن ذلك ما يجري في الأردن حالياً. فالإنتخابات الأردنية القادمة ستوفر ولأول مرة في تاريخ المملكة 27 مقعداً نيابياً يتم التنافس عليها على مستوى الوطن ومن خلال قوائم وطنية. مما لا شك فيه أن عدد المقاعد ليس كافياً (أقل من 10%) .

هناك فرصة تاريخية للحركات اليسارية ولأول مرة منذ عقود أن تدخل وتؤثر على العملية السياسية من خلال قوائم وبرامج حزبية على مستوى الوطن وبذلك تكون قد وفرت للمواطن الأردني بديل تقدمي بدل من خيارات سيئة عشائرية كانت أم دينية. وإذا ما عرفنا ان الحركات اليسارية لم تقاطع عملية التسجيل فان المشاركة بصورة مباشرة ام ضمن تحالفات فكرية ممكنة. ومع انغلاق الفرص الدستورية لتغيير القانون ومع الانتهاء من عملية التسجيل, فإن قرار المشاركة في الانتخابات من عدمه أصبح وشيكا.

كما هو معروف وبعد إنهيار الاتحاد السوفيتي فاليسار اليوم بحاجة الى من يروج له فكرياً وأن يجد تطبيقات عملية لأفكاره. فهل هناك أفضل من التواجد تحت قبة البرلمان للقوى التقدمية لكي تبدأ بتطبيق مبادئها بصورة عملية! كما وسيكون للمشاركة فرصة في إيجاد تحالفات سياسية وتطوير عملي للمواقف السياسية والخطاب السياسي والذي لم يتم تطويره منذ سنين.

طبعاً هناك من يقول إن العمل السياسي وتأثير الشارع ونشاط المجتمع المدني موجود ومهم لليسار. هذا صحيح ولكن من قال إن وجود نواب في البرلمان يعني ضرورة التوقف عن التظاهر والعمل الجامعي وغيرها من نشاطات أثبت اليسار أن له ما يقوله هناك.

هناك من يعتقد أن المشاركة في الانتخابات في ظل القانون الحالي قد يفهم منه أنه طعن في ظهر حلفاء اليسار والذين تشاركوا في الاعتراض على هذا القانون السيئ كما اعترض عليه رئيس الوزراء الحالي عبد الله النسور والنائب بسام حدادين والذين اختارا الاعتراض من الداخل وليس من خارج الإطار السياسي.

إن العمل السياسي في جوهره هو عمل تراكمي. وبما أن تعريف السياسة أنه فن الممكن فمن الطبيعي أن ينتقل نشاط وزخم العمل السياسي الى داخل البرلمان دون الحاجة إلى التنازل أو التوقف عن الدعوة لتغيير النظام الإنتخابي. يمكن أن يكون البرلمان منبراً إضافياً للحركة لتطوير خطابها السياسي دون التنازل عن المنابر الأخرى.

لقد حسم التيار الإسلامي في الأردن موقفه بعدم المشاركة في الانتخابات القادمة وهذا حق له. وفي غياب المشاركة الإخوانية في العملية الانتخابية القادمة فإن فرص النجاح لليسار والقوميين وغيرهم ستكون أكبر.

كما وإن غياب تقديم خيارات من قبل قوائم فكرية تقدمية للمواطن الأردني فإن القوائم العشائرية والرجعية ستكون لها فرص أكبر ليس فقط بالسيطرة على مقاعد الصوت الواحد ولكن أيضاً بمقاعد القوائم الوطنية. فغياب اليسار من المنافسة سيكون بمثابة هدية لقوى الشد العكسي والأطراف التي تؤيد الصوت الواحد بدل من زيادة قوة الأطراف الأكثر تقدمية.

قد يفهم من هذا الطرح أن المشاركة اليسارية في غياب جبهة العمل الإسلامي ستعتبر عملاً انتهازياً. ولكن السياسة هي عبارة عن اغتنام الفرص والاستفادة من وضع سياسي معين. فهناك رؤساء دول مثلاً تقرر انتخابات مبكرة عندما تشعر أن فرصها للنجاح أكبر. هل هذا عمل انتهازي؟ ممكن. ولكن بالأساس صلب العمل السياسي يعتمد على العمل البراغماتي والإستفادة من الفرص. ففرص اليساريين الحالية قد تتلاشى أو تضعف لو كان هناك مشاركة إخوانية. فلو شاركت الحركات الإسلامية فهل ستضحي بعدد من مقاعدها لصالح اليساريين أو غيرهم.؟ أشك بذلك.

الخيار واضح. ففي غياب الرغبة بتغيير النظام السياسي للمملكة الأردنية الهاشمية، فإن المشاركة والمشاركة الفعالة في العملية الإنتخابية القادمة قد تكون الخيار المنطقي والعملي للقوة المستقلة والتقدمية. وفي غياب ذلك فإن ما يشاع حول خوف اليسار من فحص مدى قوته الفعلية من خلال المشاركة في الإنتخابات ستعتبر السبب الحقيقي في الغياب عن هذا الاستحقاق الإنتخابي.

مدير عام راديو البلد وموقع عمان نت

أضف تعليقك