هل تراجعت حرية الصحافة؟
في الأردن؟! الصحافة ليست حرّة!
هذا هو الحكم القاسي لتقرير فريدوم هاوس أو "بيت الحرية" المؤسسة الأميركية المستقلّة التي تصدر تقريرا سنويا عن حال الحريات الصحافية في العالم.
وقد أثار هذا الحكم استياء شديدا وردّت عليه المصادر الحكومية معترضة بقوّة. وأول من أمس كانت مديرة برامج الاستقطاب في المؤسسة بولا شرايفر هنا في عمّان وقد تمت استضافتها في جلسة حوارية في مركز القدس للدراسات وأيضا في جلسة أضيق في منزل السفير الأميركي في عمّان، وردا على سؤال حول رأيها في ردّة الفعل الرسمية على التقرير قالت إنه شيء طبيعي فالدول التي يقول التقرير إنها تقدمت، تلاقي هذا الحكم بالترحيب والتهليل والعكس صحيح، وصدور ردود فعل مستاءة تؤشر، على كل حال، إلى الاهتمام وإذا كان الأردن يرى أن الحكم ليس عادلا فيمكن الرجوع إلى المعايير المعتمدة وهي واحدة للجميع لفهم ما الذي دفع الأردن إلى الخلف والأفضل هو فهم النقاط التي زادت الرصيد السلبي لمعالجتها.
التقرير يقسم الدول صحافيا إلى 3 فئات حرّة، وحرّة جزئيا، وغير حرّة وهي بالفعل صدمة أن يكون تصنيف الصحافة الأردنية بأنها غير حرّة، وبالنسبة لأي واحد فينا يعيش الواقع الإعلامي الأردني فالحكم الصحيح هو في الوسط أي أن الصحافة حرّة جزئيا أو نسبيا. لكن بالتدقيق في الجدول فهي طريقة أميركية تقبل شيئا من الجزافية في التقسيم، فالعلامات هي من واحد إلى مائة والدول من واحد إلى 30 تصنف حرّة ثم عند النقطة 31 تنقلب إلى حرّة جزئيا وعند النقطة 60 تنقلب إلى غير حرّة، لكن الدول التي تأتي مباشرة بعد العدد 60 هي حتما تعيش وضعا لحرية الصحافة أقرب كثيرا للدول التي تسبقها مباشرة وتصنف حرّة جزئيا منها إلى الدول التي في آخر القائمة مثل كوريا الشمالية وليبيا وسورية.. الخ.
وتحصيل الأردن هو في الجدول 63 أي فاتته 3 نقاط ليدخل بين الدول ذات الحرية النسبية، لكن بالنسبة لنا فنحن نراوح في نفس الوضع حين كان تصنيفنا دولة حرّة جزئيا.
إذا كان تخفيض نقاطنا السلبية هدفا بحدّ ذاته فالقصّة ليست صعبة، إذ بدراسة المعايير المعتمدة يمكن تلافي قضيتين أو ثلاث كانت السبب في دفع تقييمنا إلى الخلف وهذا يمكن أن يحدث من دون أي تغيير عملي في واقع الحريات الصحافية.
ولا شكّ أن هناك قضايا مفصلية مهمّة للصحافيين، مثل منع التوقيف المسبق في قضايا النشر، وهو الأمر الذي تحقق بطلب حازم من جلالة الملك، لكن هناك البعد غير المرئي مثل الخطوط الحمراء الضمنية والحسابات المضمرة التي تستشعر المناخ العام وتعمل تحت سقفه يفهم ذلك رؤساء التحرير والكتاب والصحافيون عموما لتصنع ما يطلق عليه الرقابة الذاتية.
وقال بعض الزملاء إن السقف الممكن أعلى في الواقع مما يضعه كثيرون لأنفسهم، والفساد موجود في الوسط الصحافي وكذلك ظواهر التزلف والنفاق والابتزاز واللامهنية والافتقار إلى النزاهة، أي إن القضية ليست عند الحكومة والسلطات فقط. فالتسامح وقبول الرأي الآخر واحترام التعدد ليس السمة الغالبة في المجتمع. تبقى المسؤولية الرئيسية عند السلطة التنفيذية، لكن بالتأكيد ليس عندها فقط!