هل الفساد مقبول اجتماعيا؟
سوف تشكل الانتخابات النيابية القادمة امتحانا في النزاهة ، ليس فقط للحكومة والجهات المشرفة على الانتخابات ، وليس فقط للمرشحين ووسائل الإعلام التي تغطي الانتخابات بل أيضا للمجتمع الأردني والناخب الذي سيواجه الحقيقة المرة في مدى قدرته على ممارسة حقه الانتخابي بنزاهة من خلال اختيار الشخص الأكفأ (ضمن نطاق الدائرة الانتخابية الخاصة به) وليس الأقرب اجتماعيا أو الأكثر توزيعا للحوافز المالية والعينية. أن اختيار مرشح غير كفؤ بسبب علاقات اجتماعية أو مصالح مالية هو بحد ذاته نوع من الفساد ، وفي حال تكرار هذه الممارسة نكون قد ساهمنا في ترسيخ ثقافة اجتماعية لا تمانع ممارسة الفساد من أجل المصلحة السريعة.
ثقافة تشجيع الفساد حاضرة بقوة في الذهن الأردني الجماعي. أن المسؤول الذي يقوم بتعيين أقاربه وأصدقائه وأفراد عشيرته في المؤسسات التي يديرها يعتبر المسؤول الأكثر احتراما في المجتمع ، ويحظى بكل أشكال التقدير والاحترام من بيئته الاجتماعية. أما المسؤول الذي يرفض التوسط لمعارفه ويهتم بمعايير المهنية في التعيين فهو مسؤول ضعيف وغير فعال في نظر المجتمع القريب منه ، وعادة ما يوصف "أنه من لا خير فيه لأهله ، لا خير فيه لبلده"، وهذا معيار عجيب لتشجيع تجاوز القوانين.
وحتى في مجالات الإدارة واتخاذ القرار فإن المسؤول الذي يتجرأ بسهولة على تجاوز القوانين والأنظمة لخدمة مصالحه ومصالح المقربين منه يعتبر مسؤولا "قويا" وصاحب قرار ونفوذ وهيبة ، أما المسؤول الذي يلتزم بالقوانين ويحترمها ولا يتجاوزها فهو يبقى في نظر المجتمع وحتى في مؤسسته أضعف من القدرة على اتخاذ القرار الحاسم ، والذي لا بد أن يكون بالضرورة قرارا ضد القوانين المعمول بها حتى يصبح قرارا قويا يستحق التقدير والإعجاب،
نقولها باختصار وصراحة ، إن الفكرة السائدة لدينا هي فكرة ايجابية ما دامت تخدم الشخص المعني ، بل أن الفساد يعتبر "شطارة وفهلوة" في نظر هذا الشخص يمكن الافتخار به ، ولكنه يصبح مرفوضا إذا تسبب في مكاسب لطرف آخر. ان مدى أخلاقية الفساد والواسطات في المجتمع يعتمد إذا على معيار المكسب النهائي ، فلا مشكلة مع الفساد إذا كنا مستفيدين منه ولكننا نرفضه إذا خسرنا ما نريده ، أو ما نعتقد أنه حق لنا،
ولكن الأسباب الحقيقية لانتشار "ثقافة تشجيع الفساد" في المجتمع تعتمد بشكل رئيسي على طبيعة تركيب العلاقات في المجتمع الأردني حيث أن المبدأ الرئيسي للنجاح في الأردن يبقى دائما "المهم من تعرف" وليس "المهم ما تعرف" ولهذا يعتمد الجميع على ما يتوفر من علاقات أسرية وعائلية وعصبية وروابط تقليدية ويحاول كل الطموحين بتحقيق النجاح توسعة شبكة هذه العلاقات الاجتماعية التي تشكل سر التفوق إضافة إلى حالة اليأس والإحباط من إمكانية تحقيق مكاسب أو حتى الحصول على حقوق بدون انتهاج طرق الفساد والمحسوبية وهذا يعود في معظم الأحيان إلى غياب "النموذج الايجابي" للمسؤول الذي يرفض الفساد والواسطات ونجاح "النموذج السلبي" وقدرته على تحقيق النجاح والاستمرار به بدون مساءلة. في غياب النموذج الايجابي ونجاح النموذج السلبي في الهروب من المساءلة والعقاب فإنه من الطبيعي جدا أن يعتنق المجتمع أسلوب تشجيع الفساد والواسطة والاعتماد على الواسطات لتحقيق المكاسب أو حتى تحصيل الحد الأدنى من الحقوق.
العامل الرئيسي في مكافحة الفساد هو في الثقافة الاجتماعية ، والقيم والمعايير التي تضبط السلوك والممارسات من الغالبية العظمى من المواطنين ، ولو كان إيماننا وقناعتنا الفعلية برفض الفساد في حجم التصريحات الإنشائية لكان بلدنا في وضع ممتاز ، ولكننا جزء من المشكلة ، ولم نقتنع بعد أن نصبح جزءا من الحل.
الدستور