هل الانتخاب حق شخصي أم واجب وطني ؟

هل الانتخاب حق شخصي أم واجب وطني ؟
الرابط المختصر

مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية مطلع العام المقبل وفي ظل ردود الفعل المتباينة حول المشاركة في الانتخابات من عدمها فإن التساؤل يثور حول الطبيعة القانونية للتصويت في الانتخابات وفي ما إذا كان الانتخاب حق شخصي للأردنيين لهم الخيار في ممارسته من عدمه أم أنه واجب عليهم بموجب أحكام الدستور.

إن من خلال متابعة الأحداث والتطورات الحالية التي تشهدها الساحة السياسية الأردنية من مقاطعة بعض القوى السياسية والحزبية للانتخابات التشريعية المقبلة تصويتا وترشيحا، فإنه يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الانتخاب في الأردن هو حق شخصي يملك كل فرد حق ممارسته وفق ما يشاء، والامتناع عن ممارسته في الوقت الذي يشاء.

فالمادة (67) من الدستور الأردني تعتبر الانتخاب من الحقوق الشخصية التي تثبت لجميع الأردنيين والتي لا يمكن سحبها أو التنازل عنها، إذ تنص على أن مجلس النواب يتألف من أعضاء منتخبين انتخابا عاما وسريا ومباشرا. فمن خلال المادة السابقة نجد أن الدستور الأردني قد تبنى مبدأ الاقتراع العام الذي يقضي بثبوت حق الانتخاب لجميع الأردنيين ضمن ما يعرف بمبدأ عمومية الانتخاب، والذي لا يفرض قيودا معينة على الحق في الانتخاب كتلك التي يقررها الاقتراع المقيد والذي بموجبه يثبت الحق في الانتخاب لمن يملك نصابا ماليا وتعليميا معينا.

في المقابل، فإن هناك اتجاها فكريا يعتبر الانتخاب واجبا على الأفراد، بحيث يترتب عليهم المشاركة الإلزامية في الانتخابات والتصويت فيها وذلك تحت طائلة المسؤولية القانونية. فمن الدول التي تأخذ بنظام التصويت الإلزامي بلجيكا التي ينص دستورها في المادة 62 منه على أن التصويت إلزامي وسري، وكذلك الحال في استراليا التي ينص دستورها على أن التصويت إجباري على جميع المواطنين فوق سن الثامنة عشرة في الانتخابات الفيدرالية وانتخابات الولايات، وأنه يترتب على عدم ممارسة ذلك الواجب غرامة مالية أو مساءلة قضائية.

إن مثل هذا الواجب القانوني على المشاركة في الانتخابات يفسر نسب الاقتراع العالية التي عادة ما تشهدها الانتخابات التشريعية في تلك الدول، والتي تكون البرلمانات المنتخبة فيها تعبر وبشكل أكبر عن إرادة الناخبين.

في الأردن، ورغم عدم وجود نص دستوري مماثل على إلزامية التصويت في الانتخابات التشريعية، إلا أن ذلك لا يمنع من الاعتراف بأن الانتخاب ينطوي على عنصر الواجب، وهو الواجب الذي وإن لم يكن دستوريا وقانونيا بحتا لانتفاء أي عنصر عقابي على عدم الانتخاب، فهو واجب وطني اجتماعي ينطلق من نظرية العقد الاجتماعي بين الشعب والدولة. فالدولة تقوم برعاية مصالح الأفراد وحمايتهم، في المقابل يقوم الأفراد باختيار ممثلين عنهم لمزاولة شؤون السلطة باسمهم ونيابة عنهم، فالدولة تتكون من ثلاثة عناصر رئيسية متكاملة هي الإقليم والشعب والسلطة السياسية، بحيث يقع على الشعب واجب تشكيل السلطة السياسية لضمان المشاركة في إدارة شؤون الإقليم.

كما أن الدور الأساسي للشعب في تشكيل وإدارة السلطة السياسية قد نص عليه الدستور الأردني صراحة في المادة (24) منه والتي تعتبر أن الأمة مصدر السلطات، وأن الأمة تمارس سلطاتها على النحو المبين في الدستور.

فمفهوم الأمة التي تمارس السلطة ينصرف إلى مجموع الأفراد والجماعات التي يتشكل منها المجتمع الأردني والذين يشكلون وحدة واحدة لها كيانها المستقل الذي لا يقبل التجزئة أو التنازل عنه أو التصرف به. ولما كانت الأمة لا تستطيع مباشرة السلطة بنفسها لتعذر تطبيق أحكام الديمقراطية المباشرة عمليا، فقد كان لا بد لها وأن تنيب عنها من يباشر السلطة باسمها ونيابة عنها وذلك من خلال فرض واجب اجتماعي على الأفراد في انتخاب ممثلين عنهم لإدارة شؤون السلطة السياسية باسم الأمة ونيابة عنهم.

فالشعب عندما ينتخب ممثلين عنه فهو يقوم بممارسة وظيفة معينة حددها القانون وهي وظيفة التصويت بإسم الأمة لانتخاب ممثلين عنهم لإدارة الشؤون العامة.

إن كثرة عدد السكان وتزايدهم من جهة وتشعب مهام الدولة من جهة أخرى يجعل قيام الشعب بكافة أفراده بتولي شؤون السلطة السياسية ومن أن يحكم نفسه بنفسه أمرا في غاية الصعوبة، لذا فقد كان لا بد من التفكير بإيجاد طريقه بديلة يعبر فيها الشعب عن إرادته بتولي شؤونه السياسية، فتبلورت فكرة إيجاد هيئة سياسية تتولى الحكم نيابة عنه وباسمه على أن تتشكل هذه الهيئة عن طريق الانتخاب، والذي يسمح بتوافق إرادة الناخبين على تكليف شخص معين ليكون عضوا في الهيئة التشريعية ليقوم بالحكم نيابة عنهم وباسمهم.

لذا فإن الانتخاب في الأردن هو اختصاص دستوري يجمع بين الحق الشخصي الفردي المكفول في الدستور والواجب الوطني الاجتماعي المفروض على الأفراد باعتبار أن إجراء وتنظيم الانتخابات يعد وظيفة عامة واجبة الأداء دستوريا لتحقيق مبدأ الأمة مصدر السلطات، وهو ما يبرر قصر المشاركة في تلك الوظيفة الاجتماعية على فئة معينة من أفراد الشعب ممن تتوافر فيهم الشروط والضمانات القانونية لضمان سلامة الانتخاب وعملية الاقتراع ومن أهمها الأهلية العقلية المتمثلة بسلامة العقل، والأهلية الأدبية المتمثلة في حسن السيرة والسلوك.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

العرب اليوم

أضف تعليقك