هل أخطأ وزير المالية والنائب أبو حسان وخالفا توجيهات الملك بعدم سجن الصحفيين؟
أخطاء وزير المالية عمر ملحس عندما قدم بشكوى ضد صحفيين بسبب ما تم نشره عنه حول الادعاء بالتهرب الضريبي.
كما قدم النائب خالد أبو حسان شكوى ضد مجموعة صحفيين على أساس ما تم نشره على موقع اخباري. في كلتا الحالتين قام المدعي العام باستخدام البند 11 سيء السيط من قانون الجرائم الإلكترونية والذي يسمح بتوقيف أي شخص بما في ذلك الإعلاميين على خلفية ما يتم نشره.
يخالف هذا البند قانون الصحافة والنشر الذي يحذر توقيف الصحفيين فيما هناك فرصة للجميع تقديم شكوى قضائية مطالبا بتعويضات إذا ما شعر مسؤول او مواطن انه تم الإساءة اليه والتشهير به.
يتعرّض المسؤولون في الأردن، وفي أنحاء العالم كافةً، لانتقاد وتهجم يصل أحياناً إلى التجريح والقدح والتشهير. ومن حق المسؤول، كما من حق المواطن، أن يرد على مثل هذا التهجم بطرق سلمية عبر المحاكم لا من خلال استعراض جبروته الحكومي في تعامله مع الصحافة.
.
ينسى أو يتناسى المسؤول أنه بمجرد موافقته أن يتقلد منصبه الرسمي، فإن الحماية الشخصية المتوفرة له كمواطن تقل حين يصبح في موقع المسؤولية، ومن الطبيعي أن يتعرض الوزير لنقدٍ –ولاذع أحياناً- ولا يمتلك الحق باستخدام صلاحياته وعلاقاته مع المدعي العام بصفته الحكومية لكي يوعز بتوقيف الصحفيين.
قال الملك عبد الله الثاني في تشرين الثاني من العام 2008، لرؤساء التحرير إنه لن تتكرر عمليات توقيف الصحفيين على قضايا النشر، وفي الوقت نفسه صرّح بأن أي شخص تضرر من الإعلام يحق له متابعة الموضوع من خلال المحاكم المدنية. الملك كان يتحدث عن حق المواطن برفع دعوى من خلال المحاكم –منطقياً- وليس عن الوزراء الذين لديهم قدرة أكبر بكثير مما يتوفر للمواطن العادي أن يرد على تهجم وسائل الإعلام.
يخطئ من يعتقد أن له حصانة خاصة باعتباره وزيراً أو رئيس وزراء او نائب ، فالمحاكم في الأردن، والعالم كله، تنظر بشفقة إلى المواطن الذي يجري التشهير به أكثر من أي مسؤول. وقوانين القدح والذم شُرّعت خصيصاً لحماية المواطن لا المسؤول.
وأن يأمر وزير بتوقيف صحفي على خلفية ما نشر، فإن ذلك يعدّ تجاوزاً، رغم أن القانون يسمح له بمقاضاة مدنية إذا رأى أن المادة المنشورة تشكّل تعدياً عليه. الغريب أن ذلك طال إعلامياً ينتسب إلى نقابة الصحفيين، ويعمل في صحيفة إلكترونية مرخصة. ومن الأغرب أن المقال المشار إليه تم نشره ورقياً من دون أن يستطيع المدعي العام توقيف الصحفي لأن قانون المطبوعات والنشر- كما هي توجيهات الملك- يمنع توقيف الصحفي على قضايا النشر.
من يوقف الصحفيين يستغل ثغرة قانونية وقعت على خلفية تعديل لقانون الجرائم الإلكترونية لم يدرِ به أحد، والبند الحادي عشر منه تحديداً، الذي سمح بالتوقيف المسبق لمن يستخدم وسيلة إعلام إلكترونية (أياً كانت) لما يعتبره المدعي العام قضية قدح وتشهير من دون الحصول على أمر قضائي. إن العدالة تتطلب أن يعرض على قاضٍ متمرس ليحكم إذا كان المقصود فعلاً قدحاً وتشهيراً، ومنها قضايا الإعلام، فالمتعارف عليه وفق التوجيهات الملكية وقانون المطبوعات أن لا يتم توقيف الصحفيين على قضايا النشر.
أعلن رئيسا مجلسي الأعيان والنواب والعديد من النواب في الفترة السابقة رفضهما لمبدأ توقيف الصحفيين، ووعدا بالعمل على إجراء ما هو مطلوب لإغلاق أية فجوه قانونية تسمح بذلك.
ليس المطلوب هو تعديل التشريعات المتعلقة بتوقيف الصحفيين فحسب إنما على المسؤولين -في مقدمتهم الوزراء، والقائمين على مشاريع الإصلاح- أن يتوقفوا عن استخدام القانون لعقوبة من ينتقدهم أو يذمهم. على المسؤول أن يوسّع صدره، ويحتمل ما لا يحتمله المواطن العادي، لأنه اختار موقع مسؤولية طوعاً. وينطبق نفس الموضوع على السلطة القضائية الممثلة بمكتب المدعي العام والتي يجب ان لا تسمح للمسؤولين استخدام موقعهم للتقليص مساحة حرية التعبير التي كفلها الدستور ويدافع عنها الملك.