هذه ( الدواعش) تهدد بلدنا ..!!

هذه ( الدواعش) تهدد بلدنا ..!!
الرابط المختصر

قلت في هذه الزاوية أمس : ان ( داعش) لم تخرج من رحم ( الاسلام) الصحيح المتعافى وانما خرجت من ( بطن) الاسلام المجروح و المريض، كما انها لم تكن افرازا ( للعروبة) النظيفة المتحررة من عقدة ( الهوية) وفتن  الطائفية وانما كانت افرازا ( للعروبة) المقهورة التي ازدحمت فيها صور الشعور بالاهانة و الانحطاط و التسفل الحضاري.

اردت التذكير بذلك للاشارة الى مسألتين : احداهما ان (داعش) واخواتها الناشطات في (مونديال) التطرف، لايمكن اختزالها في ( تنظيم) أو حتى في (وهم) دولة نسبت نفسها الى (الخلافة) ولو كانت كذلك لكان من الممكن القضاء عليها بسهولة، لكن المشكلة أننا امام ( فكرة) تطورت الى (ظاهرة) ووجدت من المعجبين من يصفق لها، ومن (الاتباع) من ينخرط فيها عن سابق اقتناع، أما المسألة الاخرى فهي ان خطر هذه (الظاهرة) لا ينحصر في امكانياتها العسكرية و لافي قدرتها على التمدد و الانتشار، وانما ايضا في توافر ( التربة) المناسبة لاستنباتها ونموها، و التربة هذه فيها خليط من العناصر الجاذبة، وابرزها القهر و الخوف و اليأس وفقدان الثقة بالحاضر و المستقبل و الاحساس بالخيبة و المرارة من البدائل الموجودة و المطروحة ومن موت السياسة ايضا.

صحيح ان (داعش: الدولة الاسلامية لاحقا) لا تهددنا كتنظيم عسكري، وأن التصريحات التي تبالغ في ذلك تهدف الى توريطنا في مواجهة لسنا طرفا فيها، و لا مصلحة لنا في اقحام أنفسنا بها، لكن الصحيح ايضا ان خطر ( داعش) الفكرة حين تتقاطع مع ( التربة) التي خرجت فيها ، لا يمكن التهوين منه، ولا غضّ البصر عنه، وحين أقول داعش الفكرة فأنا اقصد العوامل و الاسباب التي انتجت هذه (الظاهرة) وفي مقدمتها الفقر و القهر و غياب العدالة و انسداد السياسة، فهذه كلها تشكل حواضن طبيعية لميلاد (التطرف) وملاذات آمنة لاستيطانه وانتشاره، ووسائل (اعلام) مجانية للترويج له ومنحه مايلزم من شرعية.

اذن، داعش التي نخشاها لا علاقة لها (بالبغدادي) و لا بأمير المؤمنين الخليفة ابراهيم، وانما لها علاقة وطيدة بانحباس مطر الاصلاح ورداءة طقس العمل السياسي، واحساس الناس بهبوط الهمة و انقطاع الامل وتردي الاحوال النفيسة و الاقتصادية، من هذه الجهة ، تتحول ( داعش) بكل ما تتضمنه من عناوين (للتطرف) و القتل و المؤامرة من مجرد (تنظيم) يمكن محاصرته و القاء القبض عليه الى (مصدر) الهام وانقاذ للكثيرين من الشباب الذين ضلت اقدامهم طريق الامل، و تصحرت نفوسهم بفعل انعدام نصيبهم من الحياة الكريمة، وهنا مصدر الخوف و الخطر، واخشى ما أخشاه ان يكون ( التطرف) الذي نصبنا له تمثالا في معظم اقطارنا العربية كفزاعة للتخويف، أو ( كمعلم) لجذب السياح واثارة اعجابهم بما انجزناه على صعيد  مكافحته، ان يكون هذا التطرف الذي استحضرنا ( عفاريته) قد أصبح عصيا على الطرد، وقويا بما يكفي لتهديدنا في اية لحظة.

أهم ما يمكن ان نصارح به اخواننا الذين يطمئنونا على عدم وجود اي خطر ( لداعش) على امننا الداخلي، هو أننا فعلا قادرون على مواجهة ذلك التنظيم اذا ما امتدت ايديه الينا، لكننا نريد ان يطمئنونا - ايضا- على انهم قادرون - فعلا- على مواجهة ( دواعش) عديدة تطل برأسها علينا: داعش الفقر و الغلاء الفاحش، وداعش العنف الذي تزايدت حوادثه في بلادنا، وداعش تراجع قطار الاصلاح الذي يهدد سكة السلامة في وطننا،و داعش الانسداد السياسي الذي يريد اعادة عقارب الساعة الى الوراء، و دواعش الوجوه التي تكرر حضورها وكأنها تدفع الجمهور الى الاعتراف بالهزيمة  أمامها في جولة الاصلاح والتصفيق لها بالاكراه.

الاهم من كل هذه ( الدواعش) و الفواحش هو ان نعترف بأن من يستحق ان نرفع له ( السلام) و نبادله التحية بأحسن منها هو : الناس، هؤلاء الذين خرجوا من امتحان ( الكفاءة) الوطنية بنجاح وتفوق، واثبتوا ان معدنهم اثمن من الذهب، ليس خوفا و لاطمعا، وانما لانهم يحبون بلدهم، ويحرصون على سلامته، وكان من اللازم ان يخجل بعض الذين يتسابقون في ميدان البحث عن (الغنائم) من محاولات ( تلميع) انفسهم واثبات نظريتهم في هزيمة ( الاصلاح)، لانهم يعرفون تماما ان ( البطل) الحقيقي الذي حافظ على البلد و جعله ( استثناء) و محصنا من أية عواصف هو الشعب الاردني... هذا الذي يجب ان نراهن عليه دائما... وأن نسخر انفسنا لخدمته... لا أن نجامله بالوعود... أو نقابله بالنكران.

الدستور