نووي بسواعد أردنية
دعاء البطاينة ومحمد نجيب سيكونان ضمن 19 خريجا هذا العام في قسم الهندسة النووية لجامعة العلوم والتكنولوجيا, ليشكّلوا نواة كوادر مؤهلة محليا ضمن خطط مأسسة مشروع "وعد المستقبل", في عالم ينحو صوب خيار الطاقة النووية.
يوفر هذا التخصص النادر مزجا بين النظري والتطبيقي بفضل تجربة فريدة عبر الانترنت تربط الطلاب مع مفاعل نووي تعليمي في جامعة ولاية نورث كارولينا. يندرج ذلك ضمن مساق مختبر المفاعل النووي.
الحديث إلى دعاء ومحمد (22 عاما) داخل الجامعة الأردنية الوحيدة التي تدرّس هذا المساق منذ ,2007 يكشف حجم الحماس منقطع النظير لدى هؤلاء الشباب لاختيار مسار أكاديمي رائد في المنطقة, يضمن عيشا كريما وفرصة لخدمة بلدهم.
"المختبر عبر الانترنت يوفر إمكانية تفاعل كبير بيننا وبينهم باستخدام اللغة الانجليزية لإجراء تطبيقات الجانب النظري, وأن كانت رقمية", تقول دعاء. محمد نجيب, يوافقها في التقويم ويشرح عملية التخاطب الانترنتية: "نسألهم عن القراءات ونعطيهم أوامر لتغييرها عبر لوحة التحكم. أشعر انني أعمل بيدي بنسبة كبيرة جدا".
رئيس قسم الهندسة النووية د. صلاح الدين ملكاوي (46 عاما) يؤكد أن هذه التجربة "تعطي الطالب شعورا بأنها واقعية بنسبة 95% مقارنة بمن يقوم بأبحاث بنفسه على مفاعل بحثي قائم".
كذلك تفتح الباب أمام دراسة فيزياء المفاعلات وتطبيقاتها العملية بما فيها معاينة قضبان التحكم, وأخرى لقياس التدفق النيتروني للوصول إلى الدرجة الحرجة للمفاعل لبدء عملية الانشطار الذاتي, حسبما يشرح.
مرة كل أسبوعين, يتقاطر الطلاب إلى قاعة مجهزة بربط سمعي/بصري للتخاطب مع غرفة التحكم في مفاعل (بولستار). تكلفة انشاء وتجهيز القاعة قدرت ب¯ 120 ألف دولار أمريكي.
على مقاعد زرقاء يجلس الطلبة أمام شاشتي تلفزة (ل.سي.دي) بعد الخروج من محاضرة نظرية. تعلو إحدى الشاشتين كاميرا تتيح للطرف الآخر مشاهدة الطلاب وبالعكس (زوم ان وزوم آوت). الشاشة الأخرى تمثل لوحة التحكم الافتراضي بالمفاعل, والذي يتطلب أن يكون فاعلا لحظة بدء إجراء التجارب العابرة للأطلسي.
هذه المرة الأولى التي يتم فيها استخدام مفاعل نووي لأهداف تعليمية عن بعد خارج حدود الولايات المتحدة. بعد جولة التشغيل الافتراضي يتم تقويم النتائج.
مشروع الربط هذا ثمرة تعاون بين هيئة الطاقة الذرية الأردنية -- المؤسسة الراعية للبرنامج النووي السلمي -- بدعم من وزارة الخارجية الأمريكية ورعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويؤمل أن يعمم هذا المشروع كأنموذج لقصة نجاح أكاديمي حول العالم.
الخريجون الجدد سيلتحقون بالبرنامج النووي الأردني بما في ذلك العمل داخل مختبرات الجامعة. وسيبتعث آخرون لاستكمال تخصصات مطلوبة في جامعات أوروبية, أمريكية وآسيوية.
مدة الدراسة خمس سنوات. حتى الآن التحق بهذا التخصص 145 طالبا وطالبة. وتم إيفاد سبعة من أوائل خريجي كلية الهندسة الى جامعات مرموقة في تخصص الهندسة النووية; اثنان منهم ضمن مشترك بين ألمانيا وفرنسا يركز على الجانب التطبيقي للهندسة النووية, والبقية إلى جامعات أمريكية ذات ترتيب عال في الهندسة النووية.
قسم الهندسة النووية يضم خمسة أساتذة أردنيين وعربا من حملة الدكتوراه في الهندسة النووية.
منذ أن طرق خيار النووي, استقطب الأردن عددا من أدمغته المتخصصة في الخارج, بمن فيهم د. ملكاوي الذي أنجز تجارب للأغراض التعليمية لمدة خمسة أعوام حين نال الماجستير والدكتوراة في جامعة قائد أعظم الباكستانية. وهناك أيضا د. أيمن هواري المسؤول عن تجربة البولستار ود. نضال الزعبي الحائز على ماجستير ودكتوراه في الهندسة النووية في جامعة سنسيناتي وعضو المجمع النووي الامريكي منذ 20 عاما.
ولا ننسى عرّاب مشروع الطاقة النووية الوزير السابق خالد طوقان, رئيس مجلس هيئة الطاقة الذرية.
البرنامج الأكاديمي مع مختبر جامعة نورث كارولينا لم يتأثر بتأخير إبرام اتفاقية تعاون نووي مدني مشترك بسبب إصرار الولايات المتحدة على حرمان الأردن من حقّه في تخصيب اليورانيوم محليا ومن حقه في إعادة تشغيل أو تبديل العناصر النووية وإنتاج وقود نووي.
ويتوقع دبلوماسيون أمريكيون ومسؤولون أردنيون التوصل خلال شهور إلى اتفاق يتضمن رسالة توقع تبقي على خيار تخصيب اليورانيوم محليا بعد مرور 15 عاما على توقيع الاتفاقية. الأردن لا يمتلك بعد هذه القدرة لكنه لا يريد التنازل عن حقه مستقبلا.
يسد رابط الانترنت الفراغ في منهجية البحث التطبيقي لحين الانتهاء عام 2015 من بناء مفاعل البحوث والتجارب النووية داخل حرم الجامعة, وبطاقة 5 ميغاواط, أي أربعة أضعاف قدرة بولستار.
حتى ذلك التاريخ تكون الجامعة قد خرّجت خمس دفعات من المهندسين النوويين ممن أجروا تجارب على بولستار.
مفاعل البحوث النووية سيشكل نقطة ارتكاز للمركز الوطني للبحوث النووية من خلال مرافق التجارب الخمسة التي تضم مختبرات وتطبيقات نووية متعددة توفر قدرة بحثية عالية في الهندسة والعلوم النووية والصناعية والتعليمية. كما يعزز موقع الأردن كمزود للخبرات الفنية والعلمية على مستوى الشرق الأوسط وكمركز طبي إقليمي للنظائر المشعة.
أواخر تشرين الثاني, أزاح الملك عبد الله الثاني الستار عن نموذج لمفاعل الأبحاث والتدريب الذي سيبنيه ائتلاف كوري جنوبي بتكلفة 130 مليون دولار, منها 70 مليونا قرضا ميسرا من سول.
يرى د. ملكاوي أن نجاح مشروع الطاقة النووية في دولة قيد التطور "يعتمد بشكل أساسي على توافر الكوادر البشرية المؤهلة أكاديميا وتدريبيا لرفد البرنامج".
ويأمل الأردن, الذي يصنف 11 عالميا لجهة احتياطات اليورانيوم المقدرة ب¯ 65 ألف طن, في بناء أربع محطات للطاقة النووية خلال 2017-,2018 أملا إلى التحول لمصدر للطاقة بحلول .2030
وبحسب التقديرات العالمية, تحتاج أي محطة لإنتاج الطاقة النووية للإغراض السلمية بين 500 و700 شخصا لتشغيلها, 5% منهم مهندسون نوويون.
لتنمية القدرات البشرية, يركز الأردن على التعليم الأكاديمي. في عام ,2008 أدخلت ثلاث جامعات حكومية: الأردنية, اليرموك والبلقاء للعلوم التطبيقية درجة الماجستير في الفيزياء النووية.
كذلك أقيم مركز أبحاث "معجل الكترونات" يعرف بمسارع السنكروترون في مدينة علان (محافظة البلقاء) بالتعاون بين ثماني دول عربية وأجنبية وبدعم من منظمة اليونيسكو الأممية.
غالبية الجامعات التي تدرس مساقات تتعلق بهذه المجالات, بما فيها جامعة العلوم والتكنولوجيا, أعضاء في لجنة توجيهية شكلت قبل شهور للإشراف على هذا المشروع الطموح, الذي سيفتح المجال للتعاون مع جامعات فرنسية وجامعات عالمية اخرى وتعزيز قسم الهندسة النووية من خلال منح للدراسات العليا في الهندسة النووية.
الطاقة صناعة لا تحتمل نسبة خطأ صفر في المئة. لا وقت للتعلم من الأخطاء ولا مجال لعمل هواة, بحسب ما يؤكد د. نضال الزعبي, مدير مشروع مفاعل البحوث والتجارب النووية ومفوض دورة الوقود النووي في هيئة الطاقة الذرية الأردنية.0
العرب اليوم