نواب وبرامج .. من يصدق كل هذه الوعود؟!
الأكيد أن الصور الأنيقة هي أكثر ما يلفت الانتباه في هذه الانتخابات ، الأمر الذي قد لا يختلف كثيرا عن سابقتها ، لكن الكلام المرافق لا يقل إثارة ولفتا للانتباه ، لا أعني أولئك الذين استخدموا الأمثال والمقولات الجميلة في الدعاية (لولا الخوف من إثارة المشاكل مع بعضهم لأوردنا الكثير منها على سبيل الفكاهة) ، بل نعني أولئك الذي طرحوا الكثير من الوعود التي تبدو جميلة للوهلة الأولى لولا أنها لا تنسجم البتة مع شخوص قائليها وتاريخهم وقدراتهم أولا (باستثناءات محدودة بالطبع) ، ولولا أنها (وهو الأهم) تحتاج إلى تحولات سياسية كبيرة حتى توضع موضع التنفيذ ثانيا.
هل يمكن لعاقل أن يتصور أن بوسع نائب واحد من بين مئة وعشرين نائبا أن يقدم برامج يعد الناخبين بتحقيقها ، بل حتى بمجرد طرحها على جدول أعمال المجلس ، باستثناء تضمينها في خطاب له بهذه المناسبة أو تلك؟
لا بالتأكيد ، فالبرامج تحققها الأحزاب الكبيرة والمهمة ، وليس الأفراد أو المجموعات الهامشية ، وما دام الترشيح فرديا ، فإن أقصى ما يمكن أن يعد به النائب ناخبيه هو بعض الخدمات ، وفي علم الانتخابات العربية هناك ما يسمى نائب خدمات ، وحتى هذا النائب لا يمكنه فعل الكثير عندما يكون عضوا في مجلس تعداده كبير ، الأمر الذي يختلف في حالة المجالس الصغيرة (مجلس النواب الكويتي مثالا) حيث لكل نائب أهميته في التصويت.
في حالة من النوع الأول الذي نحن بصدده لا يمكن أن تكون الانتخابات محطة في اتجاه الإصلاح ، فضلا عن التعبير عن هواجس الناس وهمومهم أو الدفاع عن مصالحهم ، بقدر ما هي فرصة لمن يطمحون بكرسي نيابي يدافعون به عن مصالحهم ، أو يمنحهم بعض الوجاهة ، وهي وجاهة لها ثمنها في الغالب ، لأن من العبث الاعتقاد أن راتب النائب يكفي لدفع استحقاقاتها ، بدليل أن هناك من يدفع أكثر بكثير من راتب سنوات النيابة الأربع من أجل الحصول على المقعد.
هذا اللون من الانتخابات لا يعبر عن جوهر الديمقراطية ، بل ربما أمعن في تفتيت المجتمع ، إلى جانب تكريس الكثير من مفاهيم الفساد والبيع والشراء ، ومن شاء أن يضع نفسه على السكة الصحيحة فلن يجد الكثير من العنت في ظل وجود تجارب بلا عدد في سائر دول العالم.
من دون أحزاب أو قوائم حزبية تتقدم إلى الناس ببرامج يمكن محاسبتها بناءً عليها لن تكون هناك ديمقراطية ولا تعددية ، وفي ظني أن النموذج الإسرائيلي هو الأقرب إلى الديمقراطية الحقيقية (الحكمة ضالة المؤمن أن وجدها فهو أحق بها) ، ولو كانت الديمقراطية العراقية بعيدة عن حذاء الاحتلال وشياطين الطائفية ، وتوفر إحصاء سكاني سليم لكل المحافظات وتوزيع عادل للمقاعد عليها لكانت نموذجا جيدا أيضا من حيث النظام الانتخابي (نظام القائمة المفتوحة).
النظام الإسرائيلي يقوم على قوائم حزبية تتقدم للناخبين ببرامج معينة وعدد من المرشحين يُرتبوا وفق انتخابات داخلية للحزب المعني ، ويحصل الحزب على مقاعد بحسب ما حصد من أصوات مع تجاوزه لنسبة الحسم الضرورية (اثنان ونصف في المئة) ، أي لا بد للحزب من الحصول على النسبة المذكورة لكي يدخل البرلمان ، بينما توزع الأصوات الضائعة على الأحزاب الفائزة بحسب النسب التي حصلت عليها. أما الحكومة فتتشكل من الحزب الفائز بأكبر المقاعد ، أو من ائتلاف حزبي قادر على الحصول على ثقة البرلمان.
ذلك هو النموذج الأقرب إلى تمثيل الناس ، أما المستخدم عربيا فهو أقرب إلى الديمقراطية التي اعتمدت لتنفيس المطالب الشعبية ، وانسجاما مع الموضة الديمقراطية التي اجتاحت العالم ، وربما تنفيسا للضغوط الخارجية في بعض الأحيان. ثم يسألونك بعد ذلك لماذا ينفض الناس من حول لعبة من هذا النوع ، حتى أن كل انتخابات يكون نسبة المصوتين فيها أقل من المرة السابقة؟،
span style=color: #ff0000;الدستور/span