نمو المديونية المطرد
يظهر أن التحذير من تنامي حجم الدين كقيمة مطلقة لم يلق آذانا مصغية من قبل الحكومات المتعاقبة؛ حيث تؤكد الأرقام أن قيمة المديونية نمت بنهج مقلق خلال السنوات الماضية نتيجة الاعتماد على الاقتراض كحل لعجز الموازنة العامة.
وساهم أسلوب هندسة الموازنة العامة، واتباع النهج التوسعي في حجم الموازنة العامة للسنوات الماضية بعيدا عن حسابات الإيرادات والنفقات، في جعل المديونية نقطة ضعف اقتصادية، وتعود لتضحي أزمة بعد أن تمكنا في العام 2004 من خفض الدين بشكل ملحوظ.
ونتيجة لغياب منهجية محددة وواضحة في إعداد الموازنة العامة، عدنا مرة جديدة لنعاني من دين ثقيل على الخزينة والاقتصاد؛ إذ قارب حجم الدين حتى الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي عشرة بلايين دينار.
تزايد حجم الدين والحديث عنه كمشكلة اقتصادية ملحة جعله حديثا للعامة يتداولونه في سهراتهم، لاسيما إذا علمنا أن توزيع حجم الدين على السكان يكشف أن حصة كل أردني من الدين زادت على 1600 دينار مع نهاية العام الماضي، مقارنة مع 1342 دينارا خلال العام 2004 بمعدل زيادة بلغ 20 %، حيث ارتفع حجم الدين بنسبة 33 % خلال الأعوام الخمسة الماضية.
المفارقة الواضحة في موضوع الدين تتعلق بحجم الدين الداخلي والخارجي، وتخبط التوجهات حولهما، ففي الوقت الذي كان القرار عام 2004 بتخفيض الاقتراض الخارجي والتوجه للداخلي، يبدو أن الحكومة اليوم غيرت مسلكها واتجهت إلى الاقتراض الخارجي.
الانقلاب على التوجه القديم جاء بعد أن كشفت الممارسة العملية أن الاقتراض الداخلي جعل الحكومة منافسا للقطاع الخاص على السيولة المتوفرة لدى البنوك، ما أضر كثيرا بالنشاط الاقتصادي وساهم في تعميق حالة التباطؤ الاقتصادي التي عانينا منها خلال الفترة الماضية، حيث لا تتوفر أية مؤشرات حول إمكانية التعافي الآن.
في خطتها الجديدة أعلنت الحكومة أنها ستسعى لتقليص عجز الموازنة نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي ليصل معدل 3 % خلال ثلاثة أعوام، بيد أن السؤال الذي يطل برأسه عقب هذه التوجهات يرتبط بالإبقاء على سياسة مقارنة الأرقام بالناتج المحلي، بدلا من دراستها كأرقام مطلقة.
فمثل هذا التوجه يبقي القيم المطلقة لأرقام العجز والدين غائبة، ويخفي الحجوم المقلقة لهذه المؤشرات، تماما كالنعامة التي تخبئ رأسها في الرمل؛ حيث يتوقع أن ترتفع قيم الدين بالأرقام المطلقة خلال الأعوام المقبلة، ما يقلص الفرص بتخفيض حجم المديونية كرقم مطلق مستقبلا.
كثيرة هي الفرص التي أضعناها من أجل تخفيض هذا المؤشر، وتحديدا في تلك السنوات التي حقق الاقتصاد خلالها نسب نمو مرتفعة، اذ كان ممكنا أن تتوفر فرصة جدية لتحقيق هذه الغاية، بيد أن اتباع أسلوب عشوائي في إدارة هذا الملف من دون ضوابط أو خطوط حمراء أعاد الدين إلى مستويات تفوق تلك التي بلغتها قبل أعوام.
ما نحتاجه في موضوع الدين، وضع أكثر من محدد لهذا المؤشر يتعلق به كرقم مطلق، وليس كنسبة من الناتج المحلي بحيث نتمكن، وفق مخطط زمني مدروس، من التخلص من هذا العبء الثقيل الذي يرهق كاهل الاقتصاد ويعيق تطوره.
التخفيف من حجم المشكلة يحتاج إلى التوافق على أسس ثابتة لا يمكن تجاوزها في السياسة المالية المطبقة، وبناء الموازنة العامة، وأهم من ذلك كله تهميش الأهواء والأمزجة في تحديد حجم المديونية.