نماذج من «حالة أزمة» تأخرنا في مواجهتها!
تأخرنا كثيرا في “حل” مشكلة ابناء المزار الجنوبي مع “انشاءات” ومبان ومقابر قيل بأن بعض المنتسبين لطائفة “البهرة” أقاموها في أطراف البلدة، فكانت النتيجة ما شاهدناه أمس، اذ اندفع بعض الشباب هناك الى احراق أحد هذه العمارات، ولولا ان الجهات الامنية سارعت الى اخلاء احدى العائلات التي تسكن فيها لقضوا نحبهم، ولنا ان نتصور عندئذ حجم الفاجعة.
كان يمكن - بالطبع - ان نتحرك منذ شهور عديدة اثيرت فيها المسألة من قبل بعض الاهالي والنواب، ونطوقها ونحسم الخلاف، لكننا للاسف تعاملنا معها بمنطق الاستهانة والتأجيل، ان لم نقل الاهمال وربما “التواطؤ”، ثم تفاجأنا (هل تفاجأنا حقاً؟) بما حصل.
في معان - ايضا - تحرك وجهاء وشخصيات سياسية لاصلاح ذات البين بين اهلنا هناك واخوانهم في “الحسينية” بعد “كارثة” الجامعة، وقد قاموا - مشكورين - بواجبهم، وساهموا في “تهدئة” الخواطر، لكن الدولة تأخرت - للاسف - في الحركة، وكان يمكن ان تذهب على وجه السرعة “لحل” المشكلة، ومنع امتدادها وان تفعل القوانين ايضا لمحاسبة المتورطين فيها، ومع ان غيابها وجد من يسده في المجتمع، وهذا - بالطبع - يطمئننا على انه ما زال في مجتمعنا “عافية” تسمح له بالتدخل والتأثير.
حين ندقق في معظم الازمات التي يدفع بلدنا - اليوم - ثمنها، نكتشف بأننا “تأخرنا” في تشخيصها وتحديد اسبابها، وتأخرنا في مواجهتها بمعالجات حقيقية، خذ مثلاً “المديونية” وعجز الموازنة، ألم يدق بعضنا الجرس منذ سنوات طويلة محذراً من “السكوت” على المشكلة، ألم نتعلم من تجربة عام 89 حين صحونا على خفض سعر الدينار، لكن كل هذه الاصوات والتجارب للاسف ذهبت ولم يسمعها أحد، وها نحن بسبب “التأخير” ندفع اضعاف ما كان يمكن ان ندفعه لو انتبهنا وسارعنا الى الحل قبل سنوات.
خذ - ايضا - مشروع الاصلاح الذي “تباطأنا” في اقتحامه ودفع استحقاقاته، بما فيه قانون “الانتخاب” الذي اعدناه الى مربع “الصوت الواحد” ألم نكتشف بعد بأن “تأخرنا” في تحقيق مطالب الناس سيقودنا الى النتيجة ذاتها، واننا سنجد انفسنا بعد مدة قصيرة مرغمين على العودة لما كنا رفضناه، لكن بعد ان ندفع من “جيوبنا” ثمن هذه المماطلة، وبعد ان نخسر كثيراً مما نحرص على عدم خسارته.
لدي عشرات الامثلة التي تؤكد “تأخرنا” في معالجة مشكلاتنا وازماتنا، وما يترتب على هذا “التأخير” من اشتباكات سياسية واجتماعية، وخسائر مادية ومعنوية، وتراجع “لهيبة” الدولة والقانون، وفقدان “لثقة” الناس بمؤسساتهم، لكن الاهم من ذلك هو: لماذا “نتأخر” وما هي الاسباب التي تدفع الى “تأجيل” المواجهة والحل؟ اعتقد ان الاجابة تنحصر في مسألتين: احداهما “غياب” جهة قراءة احوال مجتمعنا ومتابعتها وتحديد “أذرع” متخصصة للوقاية من “الكوارث” أولاً والاشتباك سياسياً واجتماعياً معها اذا ما حصلت، والاخرى اعتماد منطق “التهوين” سياسياً مع الاحداث وتحميلها للطرف الامني لكي يتولى حلها، اضف الى ذلك ما جرى من محاولات لتكسير “الوسائط الاجتماعية” التي كانت تتولى جزءاً من مسؤولية “ترطيب” الاجواء الاجتماعية عند الازمات، ثم اعتماد “الحلول” السطحية والجزئية من قبل الحكومات سواء من خلال سياسات الترضية أو التغطية على المشاكل او تأجيلها، الامر الذي ساهم في “تراكمية” هذه المشكلات بدل حلها من جذورها وضمان عدم تكرارها.
ما حدث في المزار أمس، وما حدث في معان قبل ايام، يمكن ان يكونا “عينة” صالحة لدراسة ما فعلنا بأنفسنا، وما نتج عن “تأخرنا” في مواجهة ازماتنا، وما يمكن ان نحصده من مرارات جراء ذلك، لكن أين هي “الجهة” التي تستطيع ان ترصد وتدرس ما حدث، وان تضعه تحت لافتة “حالة ازمة” لكي نستفيد منه مستقبلاً، لا على صعيد “عنف الجامعة” والمجتمع، وانما “عنف” السياسة، وعنف الاقتصاد وعنف “الملفات” الداهمة التي تطرق حدودنا من الشمال والغرب والشرق على حد سواء.
الدستور