نظريا الكلام صحيح

نظريا الكلام صحيح
الرابط المختصر

لا يتوقف المسؤولون السياسيون والاقتصاديون عن القول إن الأردن حالة مختلفة، وإنه واحة أمن واستقرار، وإن ثمة فرصة اقتصادية تلوح في الأفق في ظل اشتعال المنطقة من حولنا.

يسهبون، فيقولون: انظروا إلى مصر، سورية، العراق؛ لدينا فرصة تاريخية لإحداث فرق، والاستفادة من حالة الاستقرار المحلية السائدة.

نظريا، الكلام  صحيح؛ لكن الواقع العملي لا يدلل على ذلك.

فلا السياحة حققت طفرة تبعا للنظرية الحكومية، خلال العام الماضي؛ وتدفق الاستثمار ليس أحسن حالا؛ والاستقرار النقدي والمالي لم يعد مضمونا، بل ثمة أسباب كثيرة تجعلنا نقلق حيال الحفاظ على منجزات الماضي.

الأرقام خلال الأشهر الماضية أفضل من العام 2012، لكن ليس بالمستوى المطلوب، إذ ارتفع صافي تدفق الاستثمار خلال الربع الأول من العام الحالي ليبلغ 452 مليون دينار، مقارنة بمبلغ 270 مليون دينار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، وحوالات العاملين في الخارج زادت أيضا بنسبة 2.3 %.ما نفتقده اليوم، ويجعل التفكير يذهب باحتمالية ضياع الفرصة، يتعلق بغياب الرؤية والتفكير الاستراتيجي.

إذ لا يوجد ما يشي بوجود ضوء في آخر النفق الذي دخله الاقتصاد منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008، وازداد عمقاً وحلكة مع "الربيع العربي" الذي مضى عليه أكثر من عامين.حتى اللحظة، الحديث النظري عن الفرصة قائم وكثير، لكنّ الفعل المطلوب رسميا لاستثمار الحالة غائب وضعيف.

وكل ما يخرج اليوم عن المسؤولين يتعلق، كما قيل دائما، بمعالجة تشوهات الدعم المالي المقدم لقطاعات مختلفة، فيما الإصلاح الشامل مؤجل.

الخطط غائبة، والنظرة القائمة قصيرة، ولا تتحدث عن إصلاح متوسط المدى، باستثناء برنامج صندوق النقد الدولي الذي لا يعتبر خطة وطنية.

غياب الخطة التي تعطي الأمل بإمكانية استثمار الواقع الإيجابي في الأردن، مقارنة بدول المنطقة، أثّر سلبيا على نظرة المستثمرين؛ فحتى لو كان الأردن يتمتع بكامل استقراره وأمنه، فإنه يلزم جميع المسؤولين معرفة أن هذه الميزة لم تعد كافية لجذب المستثمرين للعمل لدينا.

غياب الثقة بمستقبل الاقتصاد، وتأخر إعلان رؤية استراتيجية تنقذ الاقتصاد، كانت لهما تبعاتهما؛ فكثير من الدول الصديقة والشقيقة، غير مؤمنة بما سيؤول إليه الوضع لدينا، ما انعكس على تعاملها مع البلد.

فمن ناحية، نرى أميركا تأخرت بالوفاء بوعدها في مسألة كفالة القروض التي يقول مسؤولون إنها قد تدخل حيز التنفيذ مع نهاية العام.

أما الدول الشقيقة، ونتيجة السياسات المتخبطة، فإنها لم تعد متحفّزة للاستثمار لدينا؛ إذ تَراجعَ الاستثمار بشكل غير عادي. كما أن التمويل المقدم من الدول الخليجية لم يعد يتخذ شكل منح ومساعدات كما كان في زمن مضى، بحيث تنفَق بدون حسيب أو رقيب؛ وهذا جيد.

التلكؤ الرسمي في استثمار الفرصة، ساهم في تراجع تصنيف الاقتصاد من قبل أهم مؤسستين عالميتين للتصنيف الائتماني، ما ساهم في تغير المزاج لدى كثير من أصحاب الأموال حيال الاستثمار في الأردن.

وأكثر من ذلك أن البعض بدأ يفكر في سحب استثماراته من البلد!أين هي القيمة المضافة للأمن والاستقرار، وماذا حققا للبلد من إيجابيات اقتصادية؟في الماضي، كثيرا ما كان الأردن يستفيد من أزمات الإقليم.

لكنّ الظاهر هذه المرة هو أن الفرصة ستضيع!

إذ تشير مختلف المؤشرات إلى أن الأرقام، من تضخم، ومديونية، وعجز موازنة، ذاهبة باتجاهات سلبية، والمزاج السيئ ما يزال يسيطر على الجميع رغم الوضع السياسي المختلف.

لا يكفي أن نبقى نتغنى بالاستقرار، فيما الفرصة تضيع أمام أعيننا.

إذ إن تردي الظروف الاقتصادية بشكل أكبر، سيجلب معه متاعب سياسية جديدة؛ فدعونا لا نضيع الفرصة.

الغد