نحو مجتمع ناقدٍ وشجاع

نحو مجتمع ناقدٍ وشجاع
الرابط المختصر

أحد إحباطات مجتمعنا هو التباعد بين المواقف العلنية وبين التطبيق العملي لها. وكما ينبري النوّاب للاعتراض على الموازنة العامة ثم يصوّتون لها، هناك مجموعة كبيرة من الممارسات التي نعيشها وينطبق عليها مبدأ انفصام الشخصية.

كم شخصاً يشكو من الوساطة والمحسوبيات، لكنه أول من يستخدمها عندما تكون لصالحه أو لمصلحة أحبائه. وكم شخصاً ينتقد تجاوز الدور والنظام، ثم يكون أول من يخالفهما في حال توفرت له الفرصة.

يشكو كثيرون من الفساد والتهرب الضريبي وغيرهما من الآفات الاقتصادية، إلا أنهم يسارعون لمعرفة إمكانية تهربهم الضريبي، وليس لديهم مشكلة في الاستفادة من تضارب المصالح، وتجاوز الأنظمة للحصول على منحة أو عطاء، أو غير ذلك من سلوكيات لا يمكن نعتها سوى أنها فساد. وكأن "الواسطة" والفساد والتهرب الضريبي وغيرها من الإشكاليات تنطبق على الجميع ما عداهم.

في مقالٍ سابقٍ تحدثت عن غياب القدوة، وكيف يفشل النواب في أن يشكلوا نموذجاً لمجتمعهم من خلال سن قوانين تمنع التدخين، وتتطبق على الجميع، ما عدا مجالسهم!

القيمة التي يعطيها المجتمع لقاداته تكون، في كثير من الأحيان، غير متأثرة بسلوك الأشخاص ودورهم المجتمعي. فيكفي أن تكون الجهة، التي ترعى أو تكرّم الأشخاص، ترغب بمنفعة ما من شخصية معينة، ونرى أن كل السلبيات يتم زجها تحت البساط في حين يتم تضخيم أي إيجابيات ولو صغيرة.

المفارقة بين النظرية والواقع وبين الأقوال والأفعال ليست محصورة بالأفراد أو المجموعات بل يمكن رؤيتها بوضوح في تعامل الجهات الرسمية حكومية أم شبه حكومية أم خاصة. كما يمكن أن نراها بصورة واضحة في تقييم الخبر والمقال على مبدأ اهتمامنا بهذا الشخص أو ذاك، وليس على أساس القيمة الإخبارية أو المضمون المهم لما يكتب. فينشر مقالٌ سخيفٌ لكاتب ما، في حين يُرفض مقال مهم وأصيل لآخر والسبب شخصي لا موضوعي.

هذ التناقض يكون أحياناً معتمداً على المحاباة؛ الخلفية المناطقية والدينية والطائفية والشللية وغيرها من العوامل التي تؤثر علينا عندما نقوم بتفضيل شخص على آخر من دون الاهتمام بالمضمون أو الجوهر.

تتجلى تلك التناقضات أكثر فأكثر عندما يجري التعامل مع أشخاص ينتقدون الوطن ولو كان ذلك النقد بناءً. فتسمع الغالبية تقول "مع إنو معم حق بس ما بسير ينشر غسيلنا قدام الغرباء"، وتعتمد تلك المقولة على المبدأ الخاطئ الذي يعتبر أن التستر عن الأخطاء هو أفضل علاج لها.

وكما يقول المثل عندما يذوب الثلج يبين ما تحته، وحين تقع الكارثة يبدأ الجميع بالانتقاد، لكن لا أحد يتذكر كيف كان التعامل مع الأشخاص والجماعات على أسس الولاء الأعمى بدلاً من اعتماد أسس الكفاءة.

ما نحتاجه هو ثورة مفاهيم وصراحة في التعامل وصدق في التقييم، بعيداً عن المحسوبية والتمييز والتناقض بين الأقوال والأفعال. وهذا يتطلب وجود نخبة ناقدة شجاعة تقول الحقيقة على رؤوس الأشهاد من دون التردد أو الخوف من العقاب أو الانتقام، وحتى يتشكل مثل هذه النخبة علينا دعم المحاولات الصادقة لعل وعسى نصل إلى الوعي اللازم لتتحول هذه النخبة إلى كتلة مؤثرة.

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.