مواجهة خطاب التطرف تحتاج مناخا من الحرية

مواجهة خطاب التطرف تحتاج مناخا من الحرية
الرابط المختصر

مع النجاح المفاجئ للتنظيمات الجهادية السلفية ذات الفكر المتطرف في السيطرة على مساحات شاسعة في العراق وسوريا، بدأنا في الأردن نشعر بنوع من التهديد المتوقع الذي يمكن أن يصل إلينا نتيجة هذا التحول الخطير في الظروف السياسية والأمنية في المنطقة. هذا التخوف يرتبط بشكل اساسي بإمكانية انتشار هذا الفكر المتطرف ومن يحمله في المجتمع الأردني لعدة اسباب لعل أهمها وجود بيئة خصبة للتعاطف مع هذه التنظيمات وهذا ما يتمثل في وجود حوالي ألفي مقاتل أردني في صفوف هذه التنظيمات في العراق وسوريا.

من المهم القلق ولكن بدون المبالغة. لو صدقنا بعض التقارير التي نشرت في الصحف الأميركية والأوروبية الأسبوع الماضي لشعرنا بأن الأردن على حافة الانهيار من الداخل والخارج بسبب داعش، وهذا أمر أبعد ما يكون عن الواقع ولكنه يمثل نوعا من الإثارة التي تحب وسائل الإعلام الغربية أن تضفيها على القصص الواردة من المنطقة. أن رفع بضعة اشخاص لعلم داعش في مدينة معان لا يشكل ثورة “داعشية” بقدر ما هو نوع من التعبير الانفعالي عن الغضب الذي يكمن في العديد من السكان في معان لعدة أسباب بعضها يعود لتقصير حكومي وبعضها يعود لسوء فهم لطبيعة الأدوار المطلوبة في دولة القانون.

ولكن هذا لا يعني الاستهانة والتجاهل بقدر أنه لا يعني ايضا التخويف والعمل على نشر ثقافة سلطوية تحد من الرأي الآخر. ليس من العبقرية التأكيد على أن مواجهة الإرهاب لا تعتمد على الحل الأمني فقط بالرغم من أهميته الكبرى، لأن المعركة ليست فقط مع متفجرات وأسلحة وأشخاص متطرفين وحاقدين على المجتمع، بل هي معركة عقول وفكر ضد هذا التكفير والاستسهال غير المعقول للقتل وتجاوز كل المحرمات الأخلاقية. ومما يزيد في صعوبة هذه المواجهة أنها بالفعل ليست في فراغ معزول بل تبقى في سياق الصراع السياسي في المنطقة، كما أنها تقترب إلى درجة مباشرة من الثوابت الأساسية للإسلام، أو بشكل أكثر وضوحا هي مواجهة مع التأويلات المغرضة لهذه الثوابت.

مشكلة المواجهة مع ثقافة الإرهاب أنها تسير في طرق متفجرة بالعواطف والمشاعر، فالغالبية العظمى من تأويلات التكفير والإرهاب مستندة إلى مبادئ ومعايير ثابتة في الإسلام، ويصبح من الأهمية بمكان أن لا يتم ارتكاب خطأ في الاستهداف وأن يكون التركيز موجها لا على تلك القيم والثوابت الدينية بل على التأويلات والممارسات الخاطئة لها. يجمع الأردنيون من القوى السياسية والفكرية والمواطنين العاديين على رفض استهداف المدنيين من المسلمين باستثناء أقلية منحرفة ذات فكر ضال، وربما تؤمن الغالبية بعدم شرعية استهداف الأجانب من المدنيين المسالمين، وقد نختلف كثيرا على المدنيين الإسرائيليين، ولكن لا مانع من أن نبدأ هذا الحوار سريعا بالقواسم المشتركة حتى نواجه معا الأسئلة الأخطر.

من أجل الإسلام كهوية حضارية، ومن أجل أمن الأردن، ومن أجل مستقبل أطفالنا في هذا البلد والعالم الذي نعيش به لا مجال من التهرب بعد اليوم من استحقاق محاربة ثقافة الإرهاب، ولكن علينا أن نفعل ذلك بالحوار المشترك لا بالتراشق بتهم التطرف والتخوين التي تعودنا عليها طوال عقود طويلة حتى أوصلتنا إلى هذه الحالة المزرية، حيث أصبحنا منبوذين مشكوك بنا في كل أرجاء الدنيا ونمارس القتل بحق بعضنا البعض. نريد أن نستأصل ثقافة الإرهاب لأننا نريد تطهير ديننا وأنفسنا من هذا الفكر النجس الذي يبيح قتل الأطفال والنساء حتى نولد مسلمين وإنسانيين من جديد رافضين لارتكاب جرائم بشعة بإسم الإسلام والمقاومة، وهذا التحدي يتطلب في النهاية مناخا من الحرية والمشاركة التي تمنع أصحاب الفكر المتطرف من نشر أفكارهم الظلامية والتي لا تجد بيئة للنمو إلا في حالات الجهل وعدم احترام الرأي الآخر.

الدستور