مهرجانات عمان!

مهرجانات عمان!

كتب شاب في صفحته على الفيسبوك عن مهرجان "للبندورة" سيقام في عمان قريباً، فما هي إلا لحظات حتى كانت بعض المواقع الالكترونية تأخذ الخبر وتروج له، وتبدأ بهجوم كاسح على المنظمين ومن وراءهم، مع أنه مختلق من أساسه!

هذه الكذبة التي أشاعها شاب ليكشف عن حجم التوتر، والرفض، والحض على الكراهية، مثال بسيط لمنهجنا وطريقة تعاطينا مع أفكار الآخرين، وأولوياتهم، فما لا أحبه، ولا أفعله، ولا أطيقه، هو الخطيئة والشر المستطير، وما أفعله، وأتبناه هو الصواب المطلق.

"مهرجانات عمان" إن صحت التسمية، بدءاً من مهرجان الألوان، وانتهاءً بمهرجان "البيجاما" الذي قيل إنه ألغي، ليست أكثر من نشاطات وحفلات تستقطب اهتمام شريحة من الشباب والشابات، وليس بالضرورة أن يكون وراءها أيدولوجيا، أو طقوس أو فكر هندوسي، أو عبدة الشيطان. هي أنشطة مقتبسة الى حد كبير من الغرب الذي يصدر لنا كل شيء بدءاً من الإبرة مروراً بالكمبيوتر، وليس انتهاءً بالطائرة.

هذه الأنشطة أو المهرجانات لا يجبر أحد على المشاركة فيها، ولا يذهب لها إلا من يريد أن يشارك بها أو يتعرف عليها، وهي حسب معلوماتي لا تخالف القوانين، فلماذا هذه الحملة التكفيرية، والاقصائية والتحريضية ضدهم؟

هل يعقل أن يعلن أحد الدعاة الإعلاميين حملة تحريض وتحدٍ، ويصف من يقومون بذلك بأقذع الأوصاف، التي تخالف قيم التسامح، والدعوة بالموعظة الحسنة؟!

هل من أجل الشهرة تصبح كل أفعالنا مبررة؟!

ماذا لو تسببت حملات التحريض التي تبث بجرائم قتل بحق شباب وشابات بعمر الورد، هل سنكون سعداء بذلك ... هل سنردعهم ونجعلهم يمتثلون فقط لفهمنا وقيمنا حتى لو كان ذلك بالتهديد والوعيد، أهذه شريعة غاب؟!

ما تعرض له مهرجان الألوان من هجوم وتشهير لمن حضروه، ليس استثناء في مجتمع يتجه للغلو والتطرف وإنكار الآخر، فحتى مهرجان ليالي القلعة حورب ورفض لذرائع واهية، ومهرجان جرش كل عام يتعرض لانتقادات وحملات وستستمر ولن تتوقف.

أنا مع النقد، والاختلاف، والمساءلة، فهي قيم ديمقراطية لا يمكن المضي دونها، لكني أرفض التخوين وإقصاء الآخر، والرغبة في إلحاق الأذى مع من اختلفت معه.

ما هي المسطرة التي نقيس بها ما هو مقبول وما هو مرفوض، وإلى ماذا نحتكم حين نختلف حتى لا تعم البغضاء؟!

تغير العالم ولم نتغير، نريد أن نحكمه بنفس أدوات الماضي، هناك حقائق جديدة غيّرت تفاصيل حياتنا، وأهمها أجهزة الموبايل الذكية، هل يمكن بعدها أن تتحدث عن نفس منظومة الأخلاق لأبنائك، وتريدهم أن يكونوا نسخة كربونية منك؟

نستغرب أن يقام مهرجان للألوان في عمان، باعتباره خطيئة لا تغتفر، وتخالف تقاليدنا وقيمنا، وكأننا في مدينة فصّلت على مقاس البعض، مع أنهم يعرفون أن عمان بها نواد ليلية، وبارات، وحفلات "ديسكو" صاخبة في الفنادق، فماذا أنتم فاعلون بهذا الواقع؟

وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، ...الخ) رغم أهميتها كوسائل للمعرفة والتواصل العابرة للحدود، وخلق تقارب إنساني في العالم، فإنها تستخدم أيضا كأدوات للتحريض، والتشهير، وتفريغ الأحقاد، وتعزيز الكراهية، ولا نتوقع بلمسة سحرية أن يصبح الفضاء الإلكتروني مدينة فاضلة؟

يبقى السؤال وسط حالة التراشق والاتهامات ... ما هي المسطرة التي نتبعها حين نختلف؟

نحتكم بكل تأكيد للدستور الذي نظم الحقوق والواجبات، وإلى المعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن، وتصون حقوق الإنسان والحريات الشخصية والقانون، حتى إن كانت لدينا رغبة في تعديله وتغييره، وكل ما لا يتعارض مع هذه المنظومة، ولا يتعدى على الحقوق، فنحن معه حتى إن لم يعجبنا ولم يجد ترحيبا عندنا.

على ضوء هذه القواعد والمسطرة نتساءل ... هل مهرجان الألوان مثلا رجس من عمل الشيطان يجب أن نرجم كل من نظّمه أو شارك به، أم أنه يقع في إطار القانون، والحريات الشخصية؟

سؤال يجب أن نمتلك جرأة الإجابة عنه حتى نبقى دولة مدنية تصون قيم الاختلاف ودون أن ننظر إليها بازدراء.

الغد

أضف تعليقك