من يوقف الاستنزاف المائي؟
يشكل استخدام المزارعين في المملكة أساليب ري تقليدية (بدائية)، ووجود شبكات سطحية ومهترئة لتوزيع المياه تحدياً حقيقاً للحكومة في إدارتها ملف المياه، إذ تصل نسبة الفاقد من الماء حوالي 50% سنوياً، ويتحمل معظمها القطاع الزراعي الذي يستهلك ما يعادل ٧٠٪ من كميات المياه المتاحة في المملكة، علماً بأن نسبة مشاركة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز ٥.٥٪ فقط.
اتخذت الحكومة خطوات جادة من أجل وقف هدر المياه الناجم عن سوء حال شبكات المياه، ومن أهمها تطوير مساحات واسعة من أراضي وادي الأردن بلغت نحو 330 ألف دونم، بحيث أصبحت المياه تُنقل في هذه المنطقة من خلال أنابيب مضغوطة بدلاً من الأقنية المفتوحة والسطحية٬ الأمر الذي يوفر ما يقارب 15% من المياه المفقودة بالتبخر. غير أن محاولات الحكومة لوقف الهدر على مستوى التزويد الرئيسي من المصدر (شبكات المياه) لن تكفي وحدها لحل الأزمة دون الحد من هدر المياه على مستوى المزرعة (المزارعين)، وتحويل الري في المزارع من أساليب تقليدية إلى حديثة.
اعتماد أساليب ري حديثة يتطلب برنامجاً وطنياً شاملاً يساعد على تطوير قطاع الري بالكامل، ويأخذ بعين الاعتبار الأسباب الحقيقة التي تحول دون استخدام المزارعين طرق حديثة ومنها: طبيعة المحصول الزراعي نفسه وحاجته للماء، وغياب الإرشاد والتنظيم الزراعي الجيد، وعدم فاعلية المؤسسات الزراعية التمويلية.
محصول الملوخية، على سبيل المثال، من المحاصيل الزراعية التي تروى بالغمر، وهي طريقة بدائية يقوم بها المزارع بغمر المحصول تماماً بالماء فتستهلك كميات كبيرة منه، وقد حاولت سلطة مياه وادي الأردن تنظيم عملية الري من خلال تركيب ما يسمى "بنقاصات المياه"، وهي أجهزة تقوم بتوزيع الماء على الوحدات الزراعية بكميات معينة وساعات محددة، إلا أن مزارعي وادي الأردن اشتكوا من أن كميات المياه هذه لا تكفي لري محاصيلهم حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تعطيل النقاصات، وسقي الملوخية ليلاً من غير علم سلطة المياه.
إن تمسك المزارعين بمحصول معين دون غيره يتعلق بثقافة المزارع وعاداته أكثر من حاجة السوق للمحصول، ولا تتغير هذه الثقافة إلا من خلال إرشاد زراعي جيد ينظم الوحدات الزراعية ويقسمها حسب نوعية التربة والمحصول وحاجته للماء، ويحد من خسائر المزارعين، ويوقف هدر المياه.
لا يستفيد صغار المزراعين من القروض، التي تمنحها مؤسسات تمويلية زراعية خاصة مثل بنك الإقراض الزراعي بسبب ارتفاع سعر الفائدة الذي قد يصل إلى 9% على القروض المتوسطة وطويلة الأجل، وهو ما يحول دون مساعدتهم في تطوير أساليب الري عن طريق شراء البيوت البلاستيكية وأنابيب الري بالتنقيط.
وإن تيّسر القرض فإنه يصرف في أوجه أخرى لا علاقة لها بتطوير أساليب الري رغم أن أسس وقواعد الإقراض الزراعي تنص على وجود لجان فنية لتقييم طلبات القروض والكشف والمتابعة عند صرفها، لكن خللاً ما يجعل بعض المزارعين يتعامل مع القروض الزراعية كونها قروض شخصية.
تغيّرت الصورة النمطية للمزارع الفقير، التي عهدناها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فجزء كبير من أراضي وادي الاردن يتملكه، الآن، أصحاب رؤوس أموال وكبار المستثمرين، فكيف يتعامل هؤلاء مع مشكلة استنزاف المياه وهل يستعملون جميعاً وسائل ري حديثة؟ ولو سلمنا بضرورة دعم الحكومة للمزارع الصغير من حيث القروض التشجيعية والإرشاد الزراعي ودعم أسعار المياه، فلماذا يستفيد كبار المستثمرين من هذه الامتيازات من دون الدخول في شراكة حقيقية مع الحكومة لتطوير القطاع الزراعي؟
ملخص القول إن الحلول التكنولوجية والهندسية على أهميتها لا تكفي إن لم تؤسس إصلاحات فورية في السياسات الزراعية والتشريعية، وأهمها مسألة دعم المياه. والتأخر في إيجاد حلول جذرية وشاملة، وترحيل مشاكل قطاع الري للحكومات القادمة سيدخل الدولة في أزمة لا تقل خطورة عن أزمة الطاقة، خاصة ونحن نواجه وضعاً مائياً حرجاً سببه شح المياه وزيادة عدد السكان.
تمارا خزوز: صحافية وحقوقية أردنية حاصلة على ماجستير صحافة وأعلام حديث، وماجستير قانون التجارة الدولية، وناشطة في مجال الحقوق والحريات العامة.