من نشر حالة الذعر؟
حالة الذعر التي سادت خلال الفترة الماضية، وتسببت بنزيف الاحتياطي الأجنبي بمستويات كبيرة، ترتبط أولا وأخيرا بالأجواء السلبية التي أشاعتها حكومة فايز الطراونة، وترويجها لحتمية رفع أسعار المحروقات والكهرباء، منذ اليوم الأول لتسلم عملها، لإنقاذ الموقف.
الاحتياطي تراجع بمعدل 27 ٪ خلال 5 أشهر ونقص بقيمة تقارب 3 مليارات ساهم بجزء منها ارتفاع فاتورة الطاقة.
تكرار الحديث من الرئيس ووزراء الاقتصاد في الحكومة عن نقص السيولة، وتعذر توفير أموال الرواتب، وتراجع النمو الاقتصادي، وعدم تسلم المنح والمساعدات، وضرورة رفع الأسعار، كلها عوامل تسببت في خلق حالة من عدم اليقين حيال مستقبل الاقتصاد.
التشاؤم حيال الوضع الاقتصادي وسط المعطيات السابقة كان نتيجة، والخوف الذي خلقته الحكومة تسبب في زيادة منسوب القلق على الاستقرار المالي والنقدي، ما ولد شعورا بالخوف لدى أصحاب الأموال، دفع البعض إلى تحويل أمواله إلى دول أخرى مجاورة، وأدى إلى اتساع دائرة الدولرة والتحويل من الدينار إلى العملة الخضراء.
اليوم، لا يبدو الوضع بالسوء الذي تتحدث به الحكومة؛ إذ يتوقع أن يتراجع العجز بعد الإجراءات التصحيحية إلى ما دون ملياري دينار، فيما كررت الحكومة أنه سيبلغ 3.2 مليار دينار مع نهاية العام.
ويرجح أن يتحسن الوضع أكثر في حال استمرار انخفاض معدلات أسعار النفط عالميا، إذ يؤكد الخبراء أن قيمة بعض المنتجات اليوم تساوي قيمتها العالمية، باستثناء الغاز الذي تستمر الحكومة في دعمه بمبالغ كبيرة.
مدى الانفراج يتسع في ظل المعلومات التي تؤكد قرب التوصل إلى اتفاق بين الحكومة وبين صندوق النقد الدولي، يؤهل المملكة للحصول على قروض بقيمة ملياري دولار على مدى عامين، ما سيساعد في تحسن وضع الاحتياطي، ويوفر قنوات لتوفير السيولة.
وفيما لو نجحت الحكومة في تطبيق خطتها لترشيد استهلاك الطاقة، فإن المؤشرات تكون مؤهلة للتحسن، بما يصب في صالح الاقتصاد، ويخفض الإنفاق على فاتورة الطاقة.
وفق المعطيات السابقة، تصبح المملكة مؤهلة بدرجات جيدة لتجاوز المرحلة الدقيقة، والحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي، وتبقى المعضلة الاقتصادية التي طالما أمطرتنا الحكومات بالحديث عنها، وهي المتعلقة بفاتورة دعم السلع والخدمات.
ودفن سياسة الدعم، والتخلص منها للأبد، يحتاج الى برنامج إصلاحي متكامل، لن يتوفر له النجاح إلا إذا تجاوزت المملكة مرحلة الإصلاح السياسي بنجاح، ووفق قانون انتخاب يحقق التوافق الوطني ويؤهل كل القوى السياسية للمشاركة والتمثيل في البرلمان.
وهذا ما لا يقدمه قانون الانتخاب الحالي والتعديلات المقترحة عليه.فالتوافق السياسي على قانون الانتخاب هو المفتاح الذي طالما بحثنا عنه، وهو الوحيد القادر على خلق توافق على الإصلاح الاقتصادي، بحيث يتمكن البلد من وضع البرنامج وتنفيذه وتطبيقه بدقة، وهذا بحاجة إلى شرعية لا تتوفر للسلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل المعطيات الحالية.
الحكومة تسببت بحالة الذعر مع قدومها، وخلقت مشكلة كبيرة في الاحتياطي، ولم تعوض الخسائر نتيجة سوء التخطيط لديها. وها هي اليوم، ومع اقتراب رحيلها، تعيد نشر أجواء عدم الارتياح وعدم اليقين بالتفافها على مطالب الإصلاح السياسي، بفرض قانون انتخاب غير مرض لكثير من القوى السياسية والشعبية والحزبية، وتزعم أنه الأمثل والأكثر عدالة، وهي بذلك تضيع فرصة الإصلاح الاقتصادي الحقيقي.
فمجلس النواب الجديد لن يحظى بالشرعية طالما أنه لا يمثل هذه القوى ولا يعبر عن طموحات الشارع، وهذا يفتح الباب لقلق جديد على الاقتصاد يمتد لسنوات، ويقلل من جاذبية الأردن. فكم مرة ستخلق الحكومة هذه الأجواء؟ ألم يحن الوقت بعد للتعلم من الأخطاء؟ وكم فرصة ستضيع؟
span style=color: #ff0000;الغد/span