مقار المرشحين الانتخابية شكل من أشكال المال السياسي

مقار المرشحين الانتخابية شكل من أشكال المال السياسي
الرابط المختصر

مع بدء العد التنازلي لإجراء الانتخابات النيابية يتسابق المرشحون المستقلون ومرشحو القوائم الوطنية هذه الأيام الى افتتاح مقارهم الانتخابية لاستقبال الناخبين المؤازرين لهم، والقاسم المشترك بين هذه المقار كما تتناقلها بعض المواقع الإلكترونية الإخبارية أن جميعها تشهد حضورا حاشدا من الناخبين وعددا كبيرا من الجماهير، وهو ما يعطي انطباعا عاما بأن الانتخابات النيابية المقبلة ستشهد مشاركة غير مسبوقة من قبل الأردنيين، وأن نسبة التصويت والاقتراع ستسجل أرقاما قياسية في ظل تهافت الناخبين على المقار الانتخابية للمرشحين والقوائم الوطنية.

إن ما تبثه بعض المواقع الإلكترونية من أخبار تتعلق بالحشود الجماهيرية على المقار الانتخابية هو عار من الصحة، ذلك أن هناك فتورا غير مسبوق من قبل الناخبين في ارتياد المقار الانتخابية بسبب تأخر المرشحين أنفسهم في افتتاح مقارهم الانتخابية، وبسبب الظروف الجوية القاسية التي شهدتها المملكة مؤخرا والتي أجبرت حتى المرشحين على التزام منازلهم.

فهذه التغطية الإخبارية الإلكترونية لا تخرج عن كونها نوعا جديدا من أنواع الضغوطات الانتخابية التي تمارس على الناخبين والتي تتمثل في ضغوطات إعلامية مدفوعة الأجر لم يتنبه لها قانون الانتخاب، ولم يفرد لها عقوبة واضحة ورادعة بحق كل من يضلل الناخبين من خلال نشر معلومات وأخبار كاذبة أثناء الدعاية الانتخابية.

فما يُجرى على أرض الواقع هو أن هناك فئة من الناخبين يتنقلون بين المقار الانتخابية وافتتاحها، بحيث تتكرر الوجوه نفسها لدى المرشحين والقوائم الوطنية كافة ، ما يجعل بعضهم يعتقد خطأ أن فرص نجاحه في الانتخابات شبه مضمونة من جراء العدد الكبير من الحضور في مقره الانتخابي. إلا أن النسبة الأكبر من تلك الشخصيات التي ترتاد المقار الانتخابية تعود بالنهاية إلى قواعدها الشعبية وتصوت لصالح مرشح العشيرة أو مرشح المنطقة الانتخابية.

ولزيادة بهجة افتتاح المقار الانتخابية، فإن المرشحين يبادرون إلى توزيع وجبات الطعام والشراب على الحاضرين، ودعوة عدد من الوزراء السابقين والشخصيات الرسمية والشعبية ذات الثقل السياسي والعشائري لإلقاء الكلمات والخطابات والقصائد الشعرية التي تتغنى بالمرشح باعتباره بطلا مغوارا وذا سجل تاريخي حافل في الانتصارات، وبأنه وحده القادر على إعادة أمجاد الأمة العربية، ورفع العبء الاقتصادي عن كاهل المواطن الأردني بعصاته السحرية ووصفاته البرلمانية التي قل نظيرها في الأنظمة البرلمانية المختلفة.

وهذا كله يدعونا إلى التساؤل عن المغزى من إقامة المقار الانتخابية والهدف من ورائها طالما أنها تشكل أداة مغالطة لقياس شعبية المرشح، وتعطي قراءات مضللة عن فرصه في الفوز في الانتخابات. فالمقار الانتخابية لا تعد شكلا من أشكال الدعاية الانتخابية الحقيقية، ولا تتوافق مع الرغبة الرسمية في إصلاح نظام الانتخاب والحد من المال السياسي الأسود. فالناخبون لا يتوافدون إلى المقار الانتخابية من أجل الاستمتاع بمشاهدة المرشحين، أو الاستماع إلى خطاباتهم وكلماتهم التي حتى المرشحون أنفسهم يجلهون ما جاء بها من عبارات رنانة مثالية قام غيرهم بكتابتها لهم مقابل مبالغ مالية، بل من أجل تناول مختلف أنواع الأطعمة والمشروبات التي يتسابق المرشحون إلى تقديمها اعتقادا منهم بأن ذلك سيدفع الناخب إلى التصويت لهم بعد أن يملأ معدته ويروي عطشه.

إن هذه المقار الانتخابية لا تغدو أن تكون شكلا جديدا من أشكال المال السياسي غير المشروع الذي يلجأ إليه بعض المرشحين ورؤساء القوائم الوطنية، حيث لم يعد استعمال المال الأسود في الانتخابات ينحصر على النمط التقليدي المتمثل في شراء أصوات الناخبين وحجز بطاقاتهم الانتخابية، بل توسع استخدامه ليشمل صرف الأموال على افتتاح مقار انتخابية تقدم أنواع المأكولات والمشروبات، ودفع الأموال لتغطية أخبار افتتاح تلك المقار بأسلوب تضخيمي يعطي الانطباع العام لدى الناخبين بأن مرشحا معينا له فرص كبيرة بالفوز في الانتخابات، حتى أن بعض التقارير الإخبارية تتنبأ بأسماء الفائزين في مختلف الدوائر المحلية والقوائم الوطنية وأسماء السيدات اللواتي سيفزن على نظام الكوتا.

من هنا فلا بد وأن تتم إعادة النظر في آلية الدعاية الانتخابية وأسسها والضمانات القانونية لعدم إساءة استخدامها من خلال ظاهرة المقار الانتخابية، فإيجاد آلية وقائية في التعاطي مع الدعاية الانتخابية وذلك من خلال تحديد سقف أعلى لمصاريف الدعاية الانتخابية سيدفع بالمرشحين إلى التركيز أكثر في دعايتهم الانتخابية على تنظيم لقاءات ومحاضرات توعية الناخبين والتخلي عن فكرة إنشاء المقار الانتخابية هي في حقيقتها مطاعم مجانية للطعام والشراب.

إن الأنظمة الانتخابية المقارنة في الدول التي تتبنى ديمقراطية برلمانية حقيقية وتحترم عقلية شعوبها ومستواهم الفكري والعلمي تتوسع في جرائم الانتخاب والمال السياسي لتشمل جرائم الضيافة والرشوة والنفوذ غير الشرعي والتي إذا ما ثبث قيام المرشح بارتكابها أثناء حملته الانتخابية فإنه يتعرض للعقوبات الجزائية التي فرضها القانون إضافة إلى الحكم بإسقاط العضوية عنه وفقدانه مقعده الانتخابي من خلال إعلان بطلان فوزه في الانتخابات. ففي بريطانيا مثلا، نص قانون تمثيل المواطنين البريطاني لعام 1983 في المادة (114) منه على أن قيام المرشح بتقديم أو سداد تكاليف تقديم وجبات الطعام أو الشراب أو ترفيه الناخب بهدف التأثير عليه على نحو يدفعه لكي يدلي بصوته لشخص معين أو أن يمتنع عن التصويت يعد من قبيل جرائم الانتخاب التي يعاقب عليها القانون بعقوبات جزائية تصل إلى الحبس وإعلان بطلان عضوية النائب في البرلمان.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

العرب اليوم

أضف تعليقك