مع سبق الإصرار والتشرذم
بعد أن فُتحت الآفاق لمرحلة سياسية جديدة، نتوّجها بحكومة برلمانية، نجد الباب يغلق، ونكتشف أنّ كل من اشتغل بتشكيل الحكومة أعادنا إلى مرحلة قديمة وتقليدية، حملت الكثير من الأخطاء والخطايا.
النواب تحديدا فشلوا في استثمار الفرصة، وظلوا مصرّين، مع سبق الإصرار، على التشرذم، وعلى قتل الفكرة في مهدها.
والبعض ممن يقفون في وجه الإصلاح والتجديد والتغيير، استغلوا انعدام الخبرة لدى بعض النواب، لبلوغ هذه النتيجة.
بالنتيجة ما حدث يعكس عجزا نيابيا، وقصورا عن استيعاب الفكرة الجديدة التي كان يؤمل أن تولّد أدوات جديدة في كيفية إدارة الشأن العام.
وبعد أن أعاد النواب الكرة إلى المربع الأول، يُطرح التساؤل: ما الذي تغير عن مرحلة ما قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، لنصل إلى نتيجة مفادها أن لا شيء تغير؟!
فمجلس النواب الحالي لا يختلف كثيرا عن سابقيه ممن رحلوا مبكرا، كما لا يتوقع أن يقدم أداء مغايرا، خصوصا أن ما يوصف بالأغلبية وهمي وضعيف، وقابل لـ"التفتت" عند مجابهة أصغر المواقف والقضايا.
ومع اقتراب تساقط الحبات الأخيرة في الساعة الرملية، تكاد القناعة تتكرس لدى كثيرين بأن الحكومة المقبلة لن تحمل من مصطلح "الحكومة البرلمانية" إلا الاسم، وأن ماراثون المشاورات كان أمرا شكليا، لم يسعَ لغير هذه النتيجة.
وتبعا لكون التغيير شكليا، فإن ما سينفذ لن يختلف في الجوهر عن سياسات مراحل سابقة. فالحكومة، حتى يوم أول من أمس، ظلت ماضية في تطبيق ذات الخطط الاقتصادية؛ فهي ماضية في تحرير السوق ورفع الأسعار، بدون أن تلتفت إلى التشوهات الأخرى الكثيرة الموجودة في هيكل الاقتصاد.
ووجود مجلس نواب، بالكاد مضى شهر على انتخابه، لم يمنع الحكومة من اتخاذ قرار برفع أسعار المحروقات، وبنسب مرتفعة تراوحت بين 3.5 - 4.3 %، رغم أن ممثلي الشعب أقسموا أغلظ الأيمان لقواعدهم الانتخابية بالوقوف في وجه سياسات زيادة الأسعار.حتى اللحظة، ردود فعل النواب حيال قرار المشتقات النفطية خجولة، ولم يتم استشارتهم حتى في مسألة زيادة أسعارها.
وما هو متوقع من النواب، وعلى مختلف المستويات، ليس بالكثير، كونهم فشلوا في أكثر من اختبار حتى الآن، وحدوث تغيير جوهري يحتاج إلى معجزة، والكل يعلم أن زمن المعجزات ولّى.
طريقة اختيار رئيس الحكومة ونتائجها التي ستظهر أكثر خلال الأسبوع الحالي، كشفت السلبيات. والحال لن تكون أفضل مع تشكيل الحكومة واختيار الوزراء.
ما يعني أن الفريق الحكومي، وبالتالي أداؤه، لن يختلفا عما مضى.
لم يضيّع النواب فكرة الحكومة البرلمانية فحسب، بل فوّتوا فرصة استعادة الثقة بالسلطات والمؤسسات، خصوصا أن الانتقادات الكثيرة والأصوات التي خرجت إلى الشارع، غالباً ما أشارت إلى ضعف السلطتين التنفيذية والتشريعية، وغياب البرامج، وضعف الرقابة والتشريع.
الأغلبية الشعبية التي تعنى بالوضع الاقتصادي، ستبدأ باتخاذ مواقفها من النواب والحكومة، تبعا لما يؤثر في حياتها.
وثمة برنامج صعب، سيفرض تبعاته على حياة الناس، وسيتصاعد عدم الرضا الشعبي عن الحكومة والنواب.
المراقبون سيتابعون باهتمام كيف سيؤثر رفع الأسعار على أداء النواب وتفاعلهم مع القضية؟ وهل سيقلب قرار زيادة الأسعار الأوراق تحت القبة في العبدلي؟
الغد