مع خالد رمضان
في مقاله "مصر أم الدنيا صانعة التاريخ" (المنشور في "الغد" أمس) يقدّم الصديق العزيز خالد رمضان تحليلاً متميزاً ولافتاً للمشهد المصري.المقال مهم من زاويتين. أولاً، من زاوية كاتب المقال؛ لأنّه من الشخصيات المحترمة التي لها مصداقية سياسية، وخطاب مسكون بروح التحرر والحرية والعدالة الاجتماعية.
وهو من اليساريين الذين يخرجون من "غيتو" الأيديولوجيا الحديدية إلى أفق التحليل السياسي الحرّ.ورمضان -بما يمثِّله من فكر يساري قومي تقدّمي مع زميله وصديقي العزيز الآخر، خالد كلالده- حالة راقية في اليسار الاجتماعي الأردني، تستحق النقاش والحوار الهادف الهادئ. ومقاله يعكس رؤية تيار في المشهد السياسي للتطورات في مصر.
وهي أحداث تعنينا جميعاً في العالم العربي، وتصوغ طبيعة الحوار والعلاقة بين القوى والتيارات والأفكار المتضاربة المتلاطمة.من زاوية ثانية، فإنّ المقال يكشف عن "قراءة" لدى اتجاه معتبر فكرياً وسياسياً، له مصداقيته، يدافع عن الديمقراطية والإصلاح والعدالة والتحرر، لكنّه أيّد ما حدث في 30 يونيو وما بعدها، بوصفه "ثورة ثانية" أو استكمالاً لثورة 25 يناير، بعد أن آلت إلى "خريف إخواني-أميركي"، مما يعكس حيوية الشارع العربي ويقظته.
أتفق مع كثير مما جاء في مقال العزيز رمضان، وأختلف معه بنسبة محدودة أقدرها بـ20 %، لكنّها "مساحة مفصلية" في الحكم على "ما حدث". وسأقصر الحديث هنا على ما أختلف فيه مع صديقي، وأعتذر من القراء عن تكرار بعض الأفكار السابقة.أولاً، أختلف معه بقوله إنّنا لسنا أمام "ميدانين"، وأنّ غالبية الشعب المصري ثارت ضد حكم "الإخوان"؛ لأنّه يُغفِل بذلك حالة استقطاب وانقسام سياسي، بل واجتماعي وثقافي، شديدة داخل المجتمع المصري. أمّا الأعداد بين الميدانين فهي متوازنة ومتوازية، وما رأيناه من ملايين في ميادين مصر دعماً للرئيس محمد مرسي ليس رقماً وهمياً ولا محدوداً.
وطالما أنّ الصورة الإعلامية اليوم قادرة على التلاعب بالعقول والأبصار، وبما أنّ الإعلام منحاز لهذا الطرف أو ذاك، فإنّ إطلاق الحكم بهذه اللغة الحاسمة مسألة فيها نظر عميق، وستنعكس لاحقاً على تعريف ما حدث.ثانياً، صحيح أنّ الرئيس مرسي عاند ورفض إيجاد مخرج آمن لمصر من النفق الكبير، عبر انتخابات رئاسية مبكّرة، وأظهر افتقاراً للحس السياسي وقراءة الأحداث، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّه لم يعد رئيساً منتخباً جاء عبر صناديق الاقتراع.
وهو ما يطرح سؤالاً كبيراً وأخلاقياً: كيف يمكن القبول بالزجّ برئيس منتخب في السجن عبر الآلة العسكرية، ومعه رئيس الوزراء، وإرسالهما إلى محاكمات أمام مؤسسة القضاء غير المحايدة في الأزمة الراهنة! وأحسب أنّ صديقنا رمضان لن يضع مرسي في منزلة الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ لا من زاوية الشرعية ولا من زاوية الفساد المالي والاستبداد!ثالثاً، التفاصيل التي بدأت تتكشّف بعد الحدث، والنيّة المبيّتة لدى الجيش لعزل الرئيس، مع الأموال التي دُفِعت من الدول العربية لإجهاض "الديمقراطية المبرعمة" في مصر، ودور المركز البيروقراطي المتضخّم في إفشال التجربة الأولى (مع الإقرار بالأخطاء الكارثية للإخوان)، والخطاب التحريضي العدائي المدروس ضد الطرف الآخر؛ كل ذلك لا يجوز أن نقفز عنه أو أن نتجاهله في التحليل السياسي، فهي مؤشرات مهمة ومقلقة على دور "الدولة العميقة" والنظام العربي في إدارة دفّة الأمور، ولن يتخلّى هذا الطرف الأخطبوط عن هذا الدور بسهولة لاحقاً، كما "يرغب" الصديق.
رابعاً، بعد ذلك تصبح إعادة طرح السؤال: ألم يكن إسقاط مرسي انتخابياً عبر صندوق الاقتراع، والحفاظ على الماكنة الديمقراطية، أكثر ضمانة وسلامة من المخاطرة الحالية الكبيرة، وما نراه من انقسام شديد في مصر، ووضعها على حافة السيناريوهات المرعبة؛ سواء الباكستاني أو التركي أو الجزائري؟