معايدة المسيحيين

معايدة المسيحيين
الرابط المختصر

 

 

المعايدة تشبه قوْل "صباح الخير" أو "كيفك"، وهي ليست أمراً إلزامياً، إنما تعبير صادر من قبل إنسان لأخيه الإنسان بوصفه جزءاً جميلاً من التواصل الإنساني.

 

لم أكن مهتماً، كثيراً، بموضوع الفتاوى الصادرة عن البعض بتحريم معايدة المسيحيين في عيد الميلاد المجيد، وترددت في الكتابة حول الموضوع، فلكل فرد الحرية في تقديم التهنئة بالعيد أو الامتناع عن تقديمها، لكنني عدلت عن موقفي بعد أن سمعت قصة روتها لي زميلة في العمل، حيث اقترحت على ابنها معايدة جيرانهم المسيحيين، إلا أن الأخير رفض اقتراحها، معللاً موقفه بتحريم معلمة الدين، في المدرسة الخاصة التي يذهب إليها، لهذه المعايدة.

 

زميلتنا المتنوّرة جلست مع ابنها، وأوضحت له مبدأ العيش المشترك، وأهمية احترام الآخر، وعقب ساعة ونصف الساعة من النقاش المتواصل، اقتنع الطفل وذهب إلى منزل جيرانه ليشاركهم فرحة العيد.

 

الأمر لم ينتهِ! قرَع الطفل باب الجيران، ولم يقم أحد بفتح الباب، وقد ظنّت زميلتنا أن السبب هو خوفهم من استقبال الناس بسبب قيام البعض بالاستهزاء بهم كونهم من أتباع ديانة أخرى.

 

إذاً؛ لدينا مشكلة أكثر تعقيداً من مجرد فتوى شخصية دينية متطرفة. هناك مشكلة مجتمعية عميقة تشمل الجهاز التعليمي، والمجتمع ككل، والثقافة، والتقاليد السائدة، التي أوصلتنا إلى ما وصلت إليه هذه العائلة.

 

القصة ذكّرتني بما قالته إحدى العائلات الناجية بأعجوبة من الموصل عقب فقدها كل ما لديها من أموال، وهربت تاركة كل شيء خلفها. قالت العائلة، التي وصلت إلى الأردن، إن بعض ما تسمعه عبر عدد من مساجد الأردن، وما يتكرر في بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والأحاديث الجانبية يذكرها بما كان يحدث قبل سيطرة داعش للموصل، وتهجير عدد كبير من سكانها غير المسلمين السنّة.

 

خطاب الكراهية المغلّف بفتاوى وتبريرات دينية يعدّ من أخطر الأمور، وقد يشكل مقدمةً لما قد يحدث لاحقاً في بلدنا العزيز، إذا استمرت الأمور على النحو الذي تسير عليه.

 

خطورة ما جرى لابن زميلتنا يجعلنا ندق ناقوس الخطر.  وعلى وزارة التربية والتعليم أن تتدخل بأسرع وقت للجم كل من يقوم بترويج خطاب الكراهية والتحريض ضد أبناء الوطن الواحد. فوزارة التربية والتعليم مسؤولة أمام الحكومة والشعب للتصدي لأي قول أو عمل تقوم به معلمة أو معلم تحت إطار حصة الدين أو أية حصة، ورخصة التعليم وتربية أطفالنا ليست إذناً لبث خطاب الكراهية لمن هم في جيل التكوين، وفي طور تشكيل أفكار ستبقى معهم مدى الحياة.

 

الدعوة للجم ما يتم في الحصص المدرسية ليست قمعاً لحرية الفكر والتفكير، وكما قلت في مفتتح المقال أنني لست معترضاً على مبدأ حق المفكرين المسلمين، ومن هم فعلاً في موقع الإفتاء من الاجتهاد، لكن عندما يتعارض الاجتهاد مع مبدأ المواطنة، ويتحوّل إلى خطاب كراهية، يفترض من الجميع؛ من أتباع الأديان كافةً، إعلان الرفض ليس فقط من خلال الإصرار على المعايدة (وهو أمر جميل)، بل برفض ومنع استمرار تسميم عقول أطفالنا وحرمانهم من متعة التعرّف على الآخر، وإغناء مداركهم الفكرية والدينية والمجتمعية.

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

أضف تعليقك