مطلوب سياسة نقدية محفزة

مطلوب سياسة نقدية محفزة
الرابط المختصر

يدلل تواضع معدلات النمو الاقتصادي حتى الشهر الثالث من العام الحالي والمقدر بمعدل 2.03 % على ضعف النتائج التي حققتها الجهود الرامية إلى تحفيز الاقتصاد منذ مطلع العام الحالي.

ولم تتمكن جميع الإجراءات الرسمية من ضخ دماء جديدة في عروق الاقتصاد وقطاعاته المختلفة ودفعها باتجاه العمل وزيادة الإنتاجية وتحسين معدلات النمو التي تسهم بلا شك في رفع قيمة عوائد الخزينة من الضرائب.

وتركزت الحلول الساعية لتحفيز الاقتصاد على السياسة المالية، من خلال فرض العديد من الضرائب التي زادت العبء على المواطنين، وأدت إلى إضعاف الطلب على السلع والخدمات.

وبعد أن جربنا كل ما هو مرتبط بالسياسة المالية وفشلنا في تنشيط الاقتصاد، فإن إحداث التغيير المطلوب يتطلب الالتفات إلى السياسة النقدية ومراجعتها.

فإهمالنا معالجة الاختلالات في هذه السياسة وعدم اللجوء إلى الأدوات التي توفرها في عملية التحفيز، أدى إلى تعميق الحالة الاقتصادية الصعبة، وتحديدا ما يتعلق بتفعيل دور القطاع الخاص. فنفاد الأدوات المنطوية تحت مظلة السياسة المالية وإخفاقها في إحداث أية تحسينات، بات يستدعي الالتفات إلى سياسة البنك المركزي وتحديدا ما يتعلق بقراره المتعلق بخفض سعر الفائدة على الخصم، الذي دفع البنوك إلى تخفيض أسعار الفائدة على الودائع وليس التسهيلات، وبالنتيجة اتجهت البنوك لإقراض الحكومة بدلا من القطاع الخاص.

فهذا التوجه أكثر أمنا للبنوك التي تشعر بغياب عنصر المخاطرة في حال أقرضت الحكومة، بعكس مخاوفها من منح القروض للقطاع الخاص، لاسيما وأن أسعار الفوائد على الودائع تصل 3 %، ومعدلها على قروض الحكومة تصل 4.8 %، ما يوفر هامشا ربحيا مرضيا ومأمونا للبنوك.

العلاقة الثلاثية بين البنك المركزي ووزارة المالية والقطاع المصرفي تسببت بإضعاف جهود التحفيز، ما أتاح أموال البنوك للقطاع العام وحرمها على الخاص، الذي ظل يعاني من مشاكل كثيرة نتيجة إحجام البنوك عن إقراضه.

في ظل المعطيات السابقة بقي القطاع الخاص خارج اللعبة، بل إن القطاع المصرفي حقق فائدة أخرى، نتجت عن قناعة أصحاب الأموال بأن أفضل استثمار في المرحلة الراهنة يتمثل في إيداع الأموال لدى البنوك، في ظل تراجع السوق المالية والإنشاءات، ما وفر سيولة جديدة للقطاع المصرفي استثمرها في منح مزيد من القروض للقطاع العام.

ويدلل على ذلك ارتفاع قيمة السندات الحكومية الصادرة خلال الفترة الماضية عن 2.3 بليون دينار، والتي سددت منها وزارة المالية قروضا قديمة بقيمة تصل 2 بليون دينار، ليصل حجم الدين الداخلي للعام الحالي حتى الآن حوالي 300 مليون دينار. كما أن التخفيض الذي لحق بأسعار الفائدة على التسهيلات خلال العام الحالي لم يخفض مستواها لمعدلات تزيد نسبة التسهيلات الممنوحة، حيث إن نسبتها إلى اليوم لم تبلغ مستواها في 2004. وإبقاء معدلات الفائدة مرتفعة أضعف فرص زيادة السيولة المتاحة للقطاع الخاص، وعمق حالة الركود وحال دون إحداث التحفيز المطلوب. وإذا ما راجعنا النتائج التي حققتها أدوات السياسة المالية وتحديدا فرض الضرائب الجديدة، نجد أن تلك الإجراءات لم تحل المشكلة، بل زادتها تعقيدا، ما يدعو بلا تردد إلى التوجه نحو السياسة النقدية التي أسهمت بشكل مباشر في إفشال عمليات التحفيز.

المقترحات لعلاج المشكلة متعددة، ومنها زيادة سعر فائدة إقراض الخصم، وتخفيض أسعار الفائدة على التسهيلات المقدمة للقطاع الخاص، لتوفير سيولة إضافية لدى القطاع المصرفي يوجهها للقطاع الخاص، الذي تراكمت خسائره منذ الأزمة المالية العالمية وضاعفتها سياسات المركزي ووزارة المالية.