مشكلة الرئيس!

مشكلة الرئيس!
الرابط المختصر

يدخل رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، منعطفاً جديداً في الأيام المقبلة، وهو يحضّر لتوسيع حكومته بضمّ ما يقارب عشرة نواب إليها، تنفيذاً لوعود قطعها للنواب، وربما لولاها ما استطاع الحصول على ثقة المجلس بصعوبةٍ بالغة.

الرئيس أجّل معركة التوزير لتجنّب انفجار الكتل، ما كان سيعقّد مسألة الثقة.

لكن الكتل انفجرت بدون المرور بهذا المخاض، وهي الآن بقايا وأشلاء لما كانت عليه سابقاً، فيما ستأتي خطوة التوزير المقبلة لتمعن في تقسيم المقسّم، وتجذير حالة التشظّي داخل المجلس، وفي الوقت نفسه ستُحسِّن موقع خصوم الرئيس تحت القبة، الذين اجتمعوا أول من أمس وأشهروا تحالفاً تتمثّل أولويته الرئيسة (ضمنياً) في إسقاط الرئيس وإنهاء مستقبله السياسي. وكثير منهم يسعى إلى ذلك لعداوة شخصية للنسور تنامت خلال السنوات الماضية!

في نهاية اليوم، عاد الرئيس إلى المربع نفسه الذي هرب منه إلى أمام سابقاً، لكن بدرجة أكثر تعقيداً وصعوبة.

وهي نتيجة طبيعية، ناجمة عن مشكلة الرئيس الأساسية، والمتمثّلة في التفرّد في اتخاذ القرارات والتفكير والتخطيط، وعدم وجود "مطبخ سياسي" معه، يساهم في التفكير لمواجهة الاستحقاقات الكبرى.

من المعروف أنّ النسور يعتدّ بدرجة كبيرة بقدراته الذهنية واللغوية، ومهاراته في المناورة والمفاوضات.

وهي قدرات مشهودة له، لكنّها تصبغ عمل حكومته وتعامله مع الأوساط السياسية والحزبية، وحتى مع مؤسسات الدولة المختلفة، بطابع فردي يتماهى مع شخصية الرئيس نفسه!كمثال صارخ على هذه المشكلة، وإذا أردنا رسم خريطة خصوم الرئيس في "السيستم" وخارجه، تحت قبة البرلمان وخارجها، فسنجد أنفسنا أمام صورة متشعّبة كبيرة ومزدهرة!

في المقابل، سنجد صعوبة بالغة في استكشاف خريطة أصدقاء الرئيس وشركائه؛ سواء داخل "السيستم" أو خارجه، تحت قبة البرلمان أو الشارع.

حتى في الحكومة نفسها، وبالرغم من توافرها على عدد جيّد من الكفاءات والقدرات التكنوقراطية، وبالرغم –كذلك- من الدور الكبير الذي قام به بعض الوزراء في الحصول على الثقة البرلمانية والاشتباك مع النواب؛ إلاّ أنّنا عندما نفكّر في "المطبخ السياسي" داخل الحكومة، أو العقل السياسي المفكّر، ربما لا نجد غير الرئيس فقط، فيما البقية تتماهى مواقفهم واتجاهاتهم مع ما يقرّره الرجل ويخطّط له!ردّ الرئيس على ذلك سيتمثل في القول (بالضرورة) بأنّ قرارات مجلس الوزراء تتخذ بالتوافق، وأنّه لا يقرّر بدون الرجوع إلى الوزراء.

لكن ذلك ليس دقيقاً عندما نتحدث عن المطبخ السياسي حصرياً؛ إذ لا نرى إلاّ الرئيس في واجهة المشهد السياسي وحيداً، وكأنّه البطل الوحيد في الفيلم!هذه المشكلة لا تقتصر على الفريق الحكومي فقط، بل تتجاوزه إلى علاقة الرئيس بالدولة والمسؤولين؛ فليس له حلفاء حقيقيون أو شركاء في التفكير واتخاذ القرارات، لا من النخبة الإصلاحية المحدودة المعروفة، ولا من الحرس القديم والتيار المحافظ، ولا حتى في أغلب دوائر القرار!إلى الآن لم يخسر الرئيس تماماً معركة الشعبية، مقارنةً بمن سبقوه؛ فهو ما يزال –وفقاً لاستطلاعات الرأي- يتمتع بقبول في أوساط شعبية عريضة، وتحديداً في المدن الكبرى.

إلاّ أنّه يعاني كثيراً مع النخب والقوى السياسية، التقليدية والمعارضة على السواء. وهي حالة يمكن انتقال عدواها إلى الشارع بسهولة، إذا لم يتنبّه إلى ضرورة تقوية مطبخيه السياسي والإعلامي، والبحث عن شركائه في حمل استحقاقات المرحلة المقبلة!ما نأمله ألا يكون التعديل الحكومي المنتظر عبئاً جديداً على أكتاف الرجل، إذا ما أصرّ على البقاء وحيداً في المطبخ السياسي، ولم يشرك معه شخصيات سياسية توصل الخطوط المفصولة وتجسّر الفجوات الواضحة!

الغد