على وقع الحراكات والاحتجاجات التي شهدناها أمس في عدة محافظات يستأنف د. النسور مشاوراته مع الكتل البرلمانية والنواب غداً، وربما يكون هذا التزامن مناسبة لطرح سؤالين اثنين، احدهما: لماذا عاد الشارع الى احتجاجاته بعد نحو ثلاثة شهور من الهدوء والكمون؟ والسؤال الآخر: هل تبدو لواقط النواب والرئيس مفتوحة لاستقبال ما صدر من ذبذبات شعبية وهم يضعون اللمسات الأخيرة على “التشكيلة” الحكومية القادمة؟
للإجابة على السؤال الأول استأذن بتسجيل بعض الملاحظات، أولها ان حالة الاحتجاج اصبحت جزءا من “حياتنا” العامة، وبمقدار ما تعبر عن حالة من الوعي والحركة والحيوية في المجتمع، فإنها تحمل - ايضا - اشارات مهمة، إذا ما تعمدنا إهمالها او عدم الانتباه الى ما يتغلغل داخل المجتمع من احساس بقسوة المعاناة، وثانيها ان صمت الحركات في الشهور الماضية كان بمثابة “استراحة” لتسريع مشروع الإصلاح، لكن ما حدث بعد الانتخابات “خيب” آمال هؤلاء، اذ اكتشفوا مرة اخرى، ولعل من تابع “هتافات” امس قد أدرك ان قضية انطفاء شعلة “الشارع” والرهان على اضعافه وانهائه لم تكن محسوبة بدقة.
أما الملاحظة الثالثة فهي ان عودة الشارع بهذا الزخم, والتلويح بمزيد من الاعتصامات التي تتزامن مع حالة من “الاحتجاجات المطالبية” التي تشهدها الكثير من قطاعات العمل والمؤسسات، تؤشر الى ان “هوة” عدم الثقة بين الرسمي والشعبي ما زالت كبيرة، وأن ما انجز ما زال متواضعاً، وبالتالي نحن أمام أيام وشهور قادمة تبدو صعبة، ومن الضرورة ان نلتفت الى “اصوات” هؤلاء الذين ما زالوا خارج حسبة السياسة ومعادلاتها الراهنة، وان نأخذها على محمل الجد، لأن اعتماد منطق اللاهتمام والاستهانة سيفضي الى انتاج حالة متدحرجة من الغضب، وعندئذ سيكون “ثمن” احتوائها باهظاً ومكلفاً.
فيما يتعلق بالسؤال الثاني لا بد ان نشير الى أن المسافة بين ما يجري في الشارع من احتجاجات وما يجري في الغرف من مشاورات ما تزال واسعة، فهموم “النخب” سواء البرلمانية او الشعبية او الرسمية مختلفة تماما عن هموم “الناس” ومن يخرج الى الشارع، وبالتالي يفترض ان يعيد اخواننا النواب تحديداً حساباتهم، فالمشاورات ليست فرصة “لاقتناص” ما يلزم من مقاعد وغنائم، بل “لانتزاع” سياسات حكومية تلبي مطالب الناس وترد على اسئلتهم المعلقة، وفرض “صورة” جديدة سواء في الوجوه أو المقررات لإقناع هؤلاء بأن قطار التغيير بدأ يسير بسرعة، وأن “المرحلة الانتقالية” ليست شكلية بل جدية، وهذا يحتاج لأفعال لا مجرد اقوال.
من اللافت - هنا - ان معظم النواب ما زالوا يتعاملون مع احتجاجات الشارع بمنطق “الغائب” أو “المشاهد”، وهذا ما شأنه ان يزيد القطيعة بين الطرفين، وان يثبت افتراضات المحتجين بأن “النواب لا يمثلونهم”، الأمر الذي يفرض على النواب تجاوز هذه “السلبية” ومد جسور اللقاء والحوار مع المحتجين قبل ان يطالبوا من الحكومة ان تفعل ذلك.
في السنوات السابقة كانت شعارات “حل البرلمان” ورفض الحكومات تتصدر اولويات الشارع، وكنا نتمنى ان نتجاوز هذه المشكلة بعد ان دخلنا في “عصر الإصلاح” لكن النتيجة على ما يبدو لم تكن كما نتمنى، فقد عادت أمس “الأصوات” والشعارات ذاتها، ما يعني اننا أمام مرحلة تبدو نسخة أخرى للعامين المنصرمين، لكن الفارق هنا ان الرهانات فيما مضى كانت تحمل جزءاً من امل “التغيير” وانتظار ما يتحقق من وعود، وفق اجواء سياسية اتسمت بالهدوء في القرارات، وعدم اللجوء الى زيادات في الأسعار، اما الآن فقد تغيرت المعادلات والرهانات.. واصبح واجباً الانتباه الى الشارع، والتعامل معه بحسابات اخرى تناسب المرحلة الجديدة.
الدستور