مسؤولية نقابة الصحفيين غير المباشرة لما وصلنا إليه

مسؤولية نقابة الصحفيين غير المباشرة لما وصلنا إليه
الرابط المختصر

لا شك أن مسودة قانون المطبوعات الأخيرة سيئة في مجال حرية التعبير ومن المشكوك فيه أن تنجح في تحقيق أهداف من أعدها خاصة فيما يتعلق بضبط ما ينشر في الإعلام الالكتروني، فقد فشل العالم بأجمعه من تحديد النشر عبر الانترنت ولن يكون الأردن أول من يتغلب عليه إلا اذا كان الأردن مستعدا أن يدفع ثمنا غاليا.

ولكن المأزق الذي نواجهه الآن يعود لدرجة معينة لأخطاء ومواقف نقابة الصحفيين، هذه النقابة التي تفرض على كل صحفي أن يكون عضوا فيها  حتى يسمى صحفيا في زمن أصبح فيه كل مواطن صحفيا. رغم أن الأردن يشهد انفتاحا في مجالات عديدة  إلا أن إلزامية العضوية - الأمر غير المطبق على غالبية  الصحفيين العاملين في الأردن -  تعيدنا إلى زمن النقابات الشيوعية المغلقة والمحصورة للون واحد فقط.

فمسودة القانون الحالي مثلا تطلب تطبيق قانون الصحف على المواقع الإخبارية (غير الممكن تعريفها) بأن يكون رئيس تحرير الموقع معلنا مماثلا لرئيس تحرير الصحيفة- أي أن يكون عضوا في نقابة الصحفيين المغلقة على ذاتها. والغريب طبعا أن نقابة الصحفيين لا تشمل أي صحفي الكتروني. والغريب أيضا أن الإذاعات ومحطات التلفزة المرخصة من هيئة المرئي والمسموع غير ملزمة بأن يكون رئيس تحريرها عضوا في النقابة. فهل الموقع الكتروني والذي قد يديره شخص أو شخصان من بيته أو مكتبه الخاص أهم من إذاعة يعمل بها العشرات وتكون ميزانيتها وممتلكاتها وثمن ترخيصها بعشرات الألوف من الدنانيير.

يشكو القائمون على نقابة الصحفيين من أن عدم توسيع رقعة النقابة ليس بسببهم لأن قانون النقابة يحتاج إلى إقرار من مجلس الأمة. قد يكون هذا صحيحا ولكننا نعرف أن النقابة والقائميين عليها حاربوا ويحاربون أي محاولة تشكيل أجسام نقابية للإعلاميين. وكانت معركة النقابة الأخيرة في رفضها تشكيل تجمع من كتاب الأعمدة مما فرض على تلك المجموعة أن تنضوي تحت مظلة النقابة الوحيدة، الأمر الذي أفقد القائمين على المشروع أي حافز ولم يحظ الأردن بتجمع لكتاب الأعمدة الأمر الذي نتمناه اليوم.

رفض أفكار إلزامية العضوية في نقابة الصحفيين ليست فكرة مستوردة. فقد كانت الأجندة الوطنية المشكلة بقرار ملكي قد أوصت بأن يتم إلغاء تلك الإلزامية قبل سنوات من انفلات المواقع الالكترونية.

على نقابة الصحفيين أيضا تحمل جزء من الفوضى الموجودة وتدني المستوى الإعلامي لدى العديد من أصحاب والعاملين في المواقع الالكترونية. ورغم وجود موارد مالية كبيرة لدى النقابة إلا اننا نادرا ما نسمع عن قيام المؤسسة الأم للمهنية الصحفية بأي دورات أو نشاطات لرفع المهنية الصحفية.

لا شك أن الأردن يعاني من مشكلة فيما يتعلق بما يكتب على المواقع الالكترونية المتعددة والتي أنشئت بصورة فردية وبدون خطة عمل وخارطة طريق للتطور الإعلامي والاستدامة. وقد اقترح العديد بما في ذلك الاستراتجية الإعلامية التي أقرتها حكومة البخيت ضرورة خلق أطر تنظيم ذاتي. وقد كان لفكرة مجلس شكاوى تتجاوب مع العديد من الفعاليات الإعلامية وجرت ندوات حول ذلك بمشاركة اليونيسكو إلا أن كل ذلك بما فيه الاستراتجية الإعلامية دفن مثله مثل الأجندة الوطنية التي دعت إلى إنهاء إلزامية العضوية في نقابة الصحفيين.

إن مسودة قانون المطبوعات لن تنجح حتى ولو وافق عليها مجلس الأمة وأقرها الملك لأن أساسها مبني على فرضية يصعب تطبيقها، إن لم يكن مستحيلا. فالأردن الذي يفتخر قائده بأنه منتج 75% من المحتوى العربي على الشبكة العنكوبوتية لن يضحي بهذا الإرث المهم بإغلاق مواقع محلية أو مقابل حجب مواقع اجنبية. فمن الناحية العملية يعتبر 99% من المواقع الاردنية أجنبية لأن موقع نشرها (أي الجهه التي توفر السيرفر) أجنبية مما يعني أن الجهات الأردنية إن كانت الحكومة أو المدعي العام أو القضاء سيعرض الأردن لتراجع كبير في سمعته لو قام بذلك. فالمعروف أن الشركة الوحيدة العربية التي تم شراؤها مع أحد عمالقة الانترنت كانت شركة مكتوب الأردنية. فهل يعقل أن يتم إضرار سمعة الأردن بسبب تعليق هنا أو خبر يسيء لشخص متنفذ هناك؟

مسودة القانون التي أقرتها حكومة فايز الطراونة تهدف إلى تخويف أصحاب المواقع والضغط عليهم إلا أن ذلك لن ينجح في تحقيق المنال. ما نحتاجه إضافة إلى حكومة ذات "صدر واسع" هو العمل الجاد على وضع أسس معقولة للتنظيم الذاتي لمؤسسات المجتمع المدني وخاصة مؤسسات مثل نقابة الصحفيين. ومن خلال قناعة مالكي والعاملين في المواقع الالكترونية بضرورة تحسين عمل هذا القطاع بصورة جماعية وطوعية يمكن فقط أن نصل إلى وضع يتم فيه خلق مناخ صحي يسمح بحرية إعلام مسؤولة وجادة.

* الكاتب مدير عام راديو البلد وموقع عمان نت

أضف تعليقك