ما لم يُحسم سؤال المواطنة في بلادنا باجابات “توافقية” عادلة، فاننا سنظل أسرى لمعادلة “مفخخة” بالاستقطابات والمطالب والمخاوف، وسيدفع مجتمعنا من عافيته ثمناً باهظاً لصراعات “نخبوية” ما تزال تتغذى على أفكار ومقولات “قاتلة”.
هذا -بالطبع- يحتاج الى مزيد من التفصيل والصراحة، ودعونا نعترف هنا بأن المسألة لا تتعلق “بالهوية” وما يدور حولها من جدل مغشوش، وانما تتعلق بمفهوم “المواطنة” وما يترتب عليها من اعتبارات تجعل “الاردني” مطمئنا الى حقوقه وواجباته، لا في اطار التعريف النظري والقانوني فقط، ولكن في الاطار السياسي والعملي ايضاً.
ثمة من يريد ان يختزل المشكلة في زاوية “المنابت والاصول” وثمة من يحاول ان يضعها في اطارها “السياسي” العام، صحيح ان البعض يشعر بأن “مواطنته” مجروحة ومنتقصة، وان لديه حقوقاً ومطالب، مشروعة احياناً وغير مفهومة احيانا اخرى، لكن ثمة على الجانب الآخر من يشعر بأن “وجوده” مهدد، وبأن مستقبله محفوف بالمخاطر.
السؤال: كيف يمكن ان نؤسس لمعادلة جديدة تطمئن الطرف الاول على حقوقه وتطفىء ما لدى الطرف الآخر من هواجس، أو بعبار اخرى كيف نستطيع ان نبني دولة “المواطنة” التي يشعر فيها الجميع “بالرضى” والقناعة، ويخرج فيها المجتمع من دوامة التصنيف والتوزيع، ومنطق المحاصصة والقسمة، وفكرة “هذا يرث وذاك لا يرث”.
عنوان الاجابة الذي يفترض ان نذهب اليه هو “السياسة” ولكن لا نستغرق في “الفزعات” المتبادلة والاتهامات التي تريد ان تغطي على المشكلة او ان “تستغلها” لاطالة الصراع وتوظيفه في اتجاهات معروفة، دعونا نتذكر بأن ما جرى في مجتمعنا على امتداد العقود الماضية من محاولات “للتقسيم” والافقار والاستعداء لم تكن تستهدف طرفاً دون آخر، ولم يكن “اصحابها” محسوبين على اصل محدد، وانما كانت تستهدف الجميع، وكان المسؤولون عنها “طبقة” سياسية استفردت “بالسياسة” ووجهتها نحو مصالحها دون اي اعتبار للمصلحة العامة، وبالتالي فان الدعوة الى “مواطنة متساوية” (الادق: مواطنة عادلة) يجب ان تتجاوز منطق “الفئة” او الفصيل او الجهة الى منطق “الجماعة” والوطن والامة، فالعدالة حين تستقيم موازينها تشمل الجميع، و”المواطنة” حين تستقر على أسس واضحة تجعل الكل أمام معادلة الحقوق والواجبات سواء.
في كل مرة تطرح فيها قضية المواطنة نكتشف بأننا نوجه نقاشنا العام حول “نقاط” ملغومة وملتبسة ومستفزة، ونقع ضحية لتجاذبات “متطرفة” لها مصلحة في اذكاء حدة الصراع واستمراره بدل حله وتجاوز مطباته، كما نكتشف بأن الاشكالية لا تتعلق بما يريده الناس وما يشغلهم من قضايا وهموم وانما تتعلق “بحسابات” النخب واشتباكاتها التي غالباً ما تعتمد منطق الاقصاء والحذف وتغيب عنها اخلاقيات الخصومة السياسية كما يغيب عنها التفكير -مجرد التفكير- بانتاج مشروع وطني جامع أو التأسيس “لملة وطنية” تستوجب الجميع ولا تترك لأحد أن يطرد الآخر من داخل هذه “الملة”.
لو سألتني عن “بؤر” التوتر التي تفرز دعوات ومطالبات “المواطنة المتساوية” لقلت على الفور بأنها لا تتجاوز الاحساس بغياب موازين العدالة، وهذا الاحساس يشعر به اغلبية الاردنيين، لا مجرد فئة محددة، وبالتالي فان “اصلاح السياسة” كفيل بالرد على المطالب والهواجس معا، وهذا الاصلاح لا يمكن ان يتحقق ما دام البعض يصر على “العزوف” عن المشاركة، والنأي بنفسه عن العمل العام، وانتظار الآخرين لكي يقوموا بالواجب قبل الدعوة الى “المواطنة المتساوية” يفترض ان ندعو الى المزاحمة المتساوية، من اجل تحقيق “اصلاح” حقيقي ينتصر لقيمة الوطن.. وقيمة العدالة والمساواة.. وقيمة الشراكة في العزم والغنم معاً.
الدستور