محكمة أمن الدولة بين حرفية نص الدستور وروح الإصلاح

محكمة أمن الدولة بين حرفية نص الدستور وروح الإصلاح
الرابط المختصر

أقرت حكومة فايز الطراونه يوم الثلاثاء مشروع قانون محكمة أمن الدولة، يلتزم بنص التعديل الدستوري الأخير ولكنه يخالف روح الإصلاح وماقيل عن تقييد محكمة أمن الدولة في التعديل الدستوري الاخير باختصاصات محددة.

النقاش حول إلغاء محكمة الدولة كان متعدد الأشكال. فهناك العديد من القانونيين الذين اعتبروا أن المحكمة من أساسها وتركيبتها وتعيين قضاتها ونوعية القضايا التي تعالجها، غير شرعية وغير دستورية، ولذلك طالبت العديد من المؤسسات الحقوقية الأردنية والإقليمية والدولية بضرورة إلغائها.

أما المؤيدون للمحكمة فحاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه وذلك ببقاء قضايا محددة (مثل الإرهاب وتزوير العملة والمخدرات!) في محكمة أمن الدولة ولكن بتحويل كافة القضايا المتبقية إلى المحاكم النظامية، أو على الأقل هكذا فهم التعديل الذي دعا إلى عدم شرعية محاكمة المواطن الأردني في القضايا "غير المستثناة" إلا من قبل القضاة المدنيين.

ولكن الحكومة الحالية تحاول الآن التلاعب على روح تلك التعديلات الدستورية من خلال قرارها الأخير الذي يقضي بتشكيل هيئات مدنية  داخل محكمة أمن الدولة للنظر بنفس القضايا التي تنظر فيها بموجب أحكام قانونها.

قد يقول البعض إن المهم هو أن يحاكم المدني أمام قضاة مدنيين وليس من المهم مكان المحكمة إذا كان في محكمة أمن الدولة أو في قصر العدل، ولكن ذلك غير دقيق.

فمحكمة أمن الدولة والتي يصر قانونيون على أنها غير دستورية، تشكل من قبل الحكومة ويقوم رئيس الحكومة العامل في تلك الفترة بتعيين القضاة لتلك المحكمة. ويعني ذلك أنه في حال عدم رضى رئيس الوزراء الحالي بما يقوم  به صحفي أو ناشط سياسي فيستطيع، حسب القانون المعدل، بمحاكمته من قبل قضاة مدنيين يقوم رئيس الوزراء بتعينهم لتلك القضية. ومن الطبيعي أن يختار رئيس الوزراء وليس رئيس المجلس القضائي بمن يحاكم الصحفي أو الناشط الذي أزعج رئيس الوزراء أو أحد أركان حكومته. وبدلا من محاكمة من يكون قد مارس حقة الدستوري بالتعبير عن امر متعلق  بالرأي العام من قبل قاض عسكري يتم محاكمته من قبل قاض مدني يعينه رئيس الوزراء.

 فأين فصل السلطات واين استقلال القضاء في مثل هذا التعديل الذي يعارض روح الدستور رغم انه قد يكون غير معارض للنص الحرفي.

من المعروف أن الباحثين في الأمور الدستورية وحتى قضاة المحاكم الدستورية عالميا يتابعون النقاشات التي تجري خلال التصويت على أي تعديل دستوري وذلك لفهم ماذا كان الغاية من التعديل . ويتم كثيرا الاستشهاد بتلك النقاشات لتبرير تفسير ما لقرار يأتي لقضاة المحاكم الدستورية.

وإذا ما راجعنا النقاش الذي جرى حول تعديل المادة الدستورية المتعلقة بالمحاكم الخاصة فإننا نرى أن جل النقاش مثلا كان ما إذا يتم شمول أو عدم شمول المخدرات ضمن القضايا التي يتم استثناءها من محكمة أمن الدولة بقضاتها العسكريين.

أما قضايا الرأي والنشاط السياسي فمن الواضح لأي مراجع لتلك النقاشات أن التعديل يضمن تحويلها إلى المحاكم المدنية والتي تسير حسب الأنظمة التي تضمن استقلالية القضاء وفصل السلطات.

لقد أخطات الحكومة في ترجمتها لغايات التعديل الدستوري الأخير فيما يتعلق بتغيير قانون محكمة أمن الدولة. ورغم أن القانون المعدل سيحتاج إلى موافقة مجلس النواب الذي أقر التعديل الدستوري؛ فسيبقى السؤال المهم هل سيتم السماح للمحكمة الدستورية مكبلة الأيدي من إبداء رأيها بهذا التعديل؟

 فالمعروف أن أي طلب لتوضيح قضية من قبل المحكمة الدستورية سيتم فقط إذا ما طلب ذلك أحد مجلسي الأمة أو الحكومة، فالحكومة لن تطلب ذلك ومجلس الأعيان، وهو مجلس الملك، لن يشكك بقرارت حكومة عينها الملك، أما مجلس النواب والذي أقر قانون انتخابات رديء دون إبداء اهتمام ثم عاد وحسنه قليلا بناء على طلب من جلالة الملك، فلا يمكن الاعتماد عليه لقول كلمة حق حتى في تعديل دستوري كان هو أقره. وبناء على فكرة إبعاد القضايا المدنية عن محكمة أمن الدولة لا تجميل المحكمة بقضاة مدنيين يفصلهم رئيس الحكومة حسب حاجته الانية.

قد يكون القانون المقترح من حكومة الطراونة متجاوبا مع نص التعديل الدستوري، ولكنه يعارض روحه فيما يتعلق بالحريات وعدم السماح للسلطة التنفيذية بالتغول لقمعها.

*مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي وراديو البلد وموقع "عمان نت"..

أضف تعليقك