محاولات حكومية 'مسيسة' لاحتواء التوترات الداخلية
قيمة الاعتراف بالمشكلات والتقصيرعلنا التي ظهرت في تعامل الحكومة الاردنية خلال اليومين الماضيين مع ازمتي المياه والكهرباء، لا تؤشر فقط على توفر الامكانية للتعامل الشفاف مع القضايا الاشكالية، بقدر ما تعكس'مزاجا' سياسيا جديدا في اوصال واروقة حكومة الرئيس سمير الرفاعي يعمل على الاحتواء ويتجنب الطرق الكلاسيكية في المواجهة والصدام.
ومع بداية الاسبوع الماضي اصر الرفاعي على حضور اجتماع فني على المستوى الوزاري في مدينة الزرقاء المكتظة لمناقشة حيثيات انقطاع الكهرباء ومشكلات نقص المياه التي كانت من بين الاسباب المهمة في تصعيد الخطاب السياسي ضد الحكومة خلال اسابيع شهر رمضان المبارك.
وفي الاجتماع وخلافا للمعهود في الرؤساء والحكومات حصل اعتراف مباشر بالتقصير وفي بعض الحيثيات وجهت عبارات 'توبيخية' لوزراء حاضرين على مسمع الآخرين، فيما عبر رئيس الحكومة عن التقدير الشديد للمواطنين الذين تحملوا عبء المشكلات. وما حصل عموما يثبت بأن دائرة الرقابة عندما تتسلط على المسؤولين التنفيذيين تخف حدة المشكلات، وهذا تماما ما ظهر حيث تقلصت حدة ازمات الماء والكهرباء عندما تدخلت مؤسسة الحكومة وغرقت بالتفاصيل عبر الرجل الثالث في الحكومة وزير الداخلية نايف القاضي بصفته رئيسا للجنة الوزارية المعنية بالخدمات. هذا النمط في الادارة يعجب الرأي العام ويساهم في تنفيس احتقانات الجمهور والاهم سياسيا برأي المراقبين يمنع 'تذخير' خصوم الحكومة السياسيين بمبررات وذرائع للهجوم عليها ونهشها.
وثمة ما يشير على مستوى المعلومات الى ان حكومة الرفاعي تلقت خلال اليومين الماضيين توجيهات ملكية مباشرة بان تعمل على احتواء المشكلات البيروقراطية والادارية والخدماتية والمعيشية قدر الامكان خلال الايام الصعبة المقبلة قبل الانتخابات العامة، ما دامت الفرصة غير سانحة بعد لمعالجة ملفات التأزم السياسي سواء مع مقاطعة الاسلاميين للانتخابات اومع المعارضة بكل اشكالها.
وفي الافق يمكن رصد مؤشرات تعزز القناعة بأن مؤسسات الدولة الاخرى بدأت تدخل على خطوط بعض مظاهر التأزم الاجتماعي والسياسي فادارات الامن المحلي اعلنت خططا لفرض السيطرة وهيبة الدولة على بعض المناطق المعروفة بنشاطها الجرمي الخارج عن القانون، خصوصا بمحاذاة الحدود مع سورية حيث نشاطات التهريب واحيانا المخدرات والاعتداء المسلح على رجال الامن العام.
بالتزامن يترقب الجميع بالشارع السياسي 'حلا مبتكرا' من مؤسسة القصر الملكي لازمة مقاطعة الاسلاميين للانتخابات بعدما اصبح من الصعب على الحكومة تقديم التنازلات والتسهيلات التي يطالب بها الاسلاميون.
ويمكن ببساطة ملاحظة ان النشاط الاشكالي والجدلي الذي اثاره بعض نشطاء المتقاعدين العسكريين خلال الاشهر الماضية دخل في مستوى بعيد قليلا عن الضجيج والتأزيم بعد اتصالات خاصة مع بعض مستويات القرار، فيما تعترف الحكومة نفسها بأن الازمة التي لا زالت عالقة هي ازمة الحراك التعليمي الذي يطالب بنقابة للمعلمين عليها 'فيتو رسمي' اساسه القناعة بأن 'تسييس المدارس' هو اسوأ وصفة ديمقراطية.
وهنا يؤكد مسؤول بارز في الحكومة لـ'القدس العربي' ان الملف الاكثر اهمية مرحليا هوملف المعلمين بعد ان شارف العام الدراسي على البداية، حيث اتخذت الحكومة قرارا استراتيجيا بتوفير آلية سريعة لمعالجة مسألة الحراك التعليمي قبل بداية العام الدراسي بعد نحو اسبوعين، مما يعني ان الحكومة تدرس التراجع عن قرارات سابقة في فصل وتقاعد بعض قادة الحراك التعليمي، وتستعد لجولة حوار منتجة مع لجان المعلمين، كما يفهم من التصريح الاخير لوزير التربية والتعليم الدكتور خالد الكركي.
كما يمكن ملاحظة الحلول التي اقترحت لاحتواء الازمة مع المواقع الصحافية عبر مقترحات نضجت مع بعض المواقع الصحافية واعتبرتها المواقع المؤتلفة باسم الاتحاد الوطني للمواقع الالكترونية صفقة مرفوضة وان لم تتضح معالمها.
كل هذه المعطيات على ان الحكومة تحقق استجابات 'واقعية ومنطقية وسياسية' في التعامل مع بعض الملفات الساخنة بقصد احتوائها ومن الواضج ان التعليمات والتوجيهات اصرت على ذلك حتى يستقبل العام الدراسي الجديد بدون اضطراب والاهم حتى تنظم انتخابات 2010 بالحد الادنى من التوتر والتجاذب.