قانون الانتخاب ليس ابديا والرؤية للسنة الحالية ليست واضحة فكيف للمستقبل?
القى رئيس الوزراء معروف البخيت امس الاول محاضرة في كلية الدفاع الوطني حول سياسات حكومته تجاه مختلف القضايا الداخلية الراهنة ورؤيته لمسار عملية الاصلاح في الاردن.
العديد من العناوين التي توقف عندما البخيت سبق ان شرحها في مناسبات كثيرة, ووردت مفصلة في رده على كتاب التكليف وبيان طلب الثقة.
بعض هذه العناوين تستحق التوقف عندها وابداء الملاحظات بشأنها.
يرى رئيس الوزراء ان قانون الانتخاب "سيكون حاسما في تاريخ الاردن, وسيؤثر في اجيالنا القادمة خلال الـ 50 سنة المقبلة..". وما يقصده البخيت هنا هو القانون الذي تعكف لجنة الحوار الوطني على اعداده.
حديث البخيت عن اهمية قانون الانتخاب واثره الحاسم صحيح وفي محله. لكن لماذا الافتراض بأن التشريع الذي سنتفق او نتوافق عليه اليوم ينبغي ان يكون صالحا لخمسين سنة مقبلة?! قانون الانتخاب تشريع سياسي بامتياز يتغير ويتبدل تبعا لحاجات التطور السياسي لأي بلد, ويمكن ان يغير كاملا او يعدل بعد كل دورة برلمانية, وفي بعض الدول الديمقراطية هناك لجان دائمة تضم ممثلي الأطراف السياسية مهمتها الوحيدة هي مراجعة النظام الانتخابي كل اربع سنوات وادخال التعديلات اللازمة وفقا للمصلحة العامة, وتوجد مثل هذه اللجان تحديداً في الدول التي تأخذ بالنظام الانتخابي المختلط "القائمة والفردي".
وفي موقع آخر من محاضرته يقول رئيس الوزراء: "لدينا وضوح في الرؤية والسياسات اللازمة لشكل الأردن الذي نريد خلال السنوات القادمة". لعل الكثيرين مثلي سيخالفون البخيت في الرأي لأننا حقا لا نشعر بوجود تصور شامل ومحكم ليس للمستقبل بل للسنة الحالية, فلا احد يعلم ان كانت هذه الحكومة ستستمر سنة او ترحل بعد شهر, ولا احد يعلم على أي قانون ستجرى الانتخابات البلدية المفترضة هذا العام. ومن منا يعرف ان كان هناك انتخابات نيابية مبكرة ام لا وعلى اساس اي قانون ستجرى.
وفي معرض حديثه عن الحياة الحزبية يقول البخيت انه اتفق مع الاسلاميين "من حيث المبدأ" على الخطوات الاصلاحية التي يجب الوصول اليها بعد سنوات الى مرحلة يوجد فيها من 3 الى 4 احزاب بحيث يشكل الحزب الذي يحظى بأغلبية نيابية او الذي يفوز بأكثر عدد من الاصوات بالإئتلاف مع احزاب اخرى على تشكيل الحكومة, والحزب الذي يليه يكون بمثابة حكومة ظل.
تصور ديمقراطي متقدم لا يختلف عليه اثنان, لكن لماذا يفترض سلفا ان الحياة الحزبية "يجب" ان تقتصر على 3 الى 4 احزاب. في معظم الدول الديمقراطية هناك بالفعل احزاب كبيرة لا يزيد عددها عن ,4 لكن يوجد الى جانبها احزاب صغيرة كثيرة, تلك هي طبيعة المجتمعات الديمقراطية, وفي احيان عديدة يلعب حزب صغير في البرلمان دورا حاسما في تشكيل الاغلبية وبيده يتعلق مصير الحكومة او تكتل المعارضة.
في الديمقراطيات الناشئة او التي في طور النشوء كما هو حال الاردن لا يمكن التحكم بخارطة الحياة الحزبية ويظل تشكيلها من حيث العدد والتوجهات مرهونا بديناميكية المجتمع, وفي العادة تبقى ظاهرة الأحزاب الصغيرة الى فترة طويلة. ووجودها في اعتقادي لا يعيق ابداً تطور التجربة البرلمانية.
يتبنى البخيت مقاربة الطريق الثالث للاقتصاد الوطني ومن هذا المنطلق لا يتردد في نقد تجربة الاردن في السنوات الماضية. وفي هذا الصدد يقول "ان مسيرة الاقتصاد الحر وما تبعها من اجراءات, لخصخصة حققت انجازات, لكن في ذات الوقت رافقتها هفوات واخطاء وفساد في بعض الاحيان, واهم من ذلك انها لم تعط اهتماما كافياً للأمن الاجتماعي".
الرؤية النقدية لمسيرة الاقتصاد ناضجة تماما عند حكومة البخيت, لكن البديل لم يتبلور بعد على شكل سياسات واجراءات, لا بل ان غالبية الاقتصاديين الذين نلتقيهم يشكون من غياب الخطة الاقتصادية عند الحكومة.
وثمة من يرى ان عمليات الخصخصة برمتها في الاردن كانت سلسلة من الهفوات والاخطاء والفساد.
على العموم محاضرة البخيت فيها الكثير ما يستحق النقاش وهذه ميزة نادرا ما تتوفر في احاديث المسؤولين وخطاباتهم.
العرب اليوم