مجتمع الأفكار المسبقة ورفض التغيير
أتمنى أن يتمكن بعض علماء الاجتماع في الأردن من إعداد دراسة شاملة عن الأسباب التي تدفع بالغالبية العظمى من أفراد المجتمع الأردني إلى استسهال اتخاذ مواقف وأحكام مسبقة ومطلقة تجاه الأشخاص الآخرين أو الاحداث التي يشهدها المجتمع في قطاعات السياسية والاقتصاد وغيرها. أن المتابع لما يسمى "الحوارات" والنقاشات والتعليقات التي تتم في الفضاء المفتوح في الأردن سواء في وسائل الإعلام أو اللقاءات الاجتماعية أو المنابر الثقافية يجد أن إطلاق الأحكام المسبقة ، وخاصة السلبي منها هو الأمر الدارج لدى معظم الناس وهذا لا يقتصر على تعليقات من قبل مواطنين بل ايضا من قبل "نخبة المثقفين والسياسيين" وهي صفة يكاد لا ينجو منها أحد حتى كبار الشخصيات السياسية الذين يطلقون الأحكام المطلقة على القضايا المستجدة.
نشعر وكأننا كمجتمع نعيش ونمارس سلوكيات تشبه ما تقوم به النساء في حفلات الأعراس ، من مراقبة فستان العروس وشكلها وشعرها ومشيتها وضحكتها وتكشيرتها وطريقة تناول الأكل والشرب وتفاصيل الضيافة في العرس وكل ذلك بهدف إطلاق الأحكام على العروس وأهلها أو بالعكس. وحتى في السياسة وفي القضايا التي تشغل انتباه الجميع نجد أن المتابعين من مواطنين ومن إعلاميين يبدأون فورا رشق الأشخاص المعنيين بصفات سلبية أو إدخال نظرية المؤامرة على أبسط الظواهر التي يمكن أن تحدث بشكل طبيعي ويتعامل معها الناس ببساطة وسلاسة في مجتمعات أخرى.
هذا النمط يقتل وينهي فورا كل فرص النقاش والحوار السليم الذي يحترم الرأي الآخر ويركز على القضية جوهر النقاش وليس الأشخاص المعنيين ، فكيف يمكن إجراء مناقشة منطقية مع شخص يعتبر من يناقشه بأنه عميل أو مندس أو متآمر أو مرتشي وغيرها من الصفات التي نشعر بسهولة كبيرة في إطلاقها على الآخرين. وفي نهاية الأمر يتحول كل نقاش من محاولة ديمقراطية صحية لإجراء حوار مفيد إلى مناوشات شخصية تشبه تماما ما يحدث في برامج السجالات الصاخبة على الفضائيات العربية ، حيث يضيع المضمون تماما ويصبح الفائز في المعركة هو صاحب الصوت الاعلى واللسان المسحوب والقدرات الخطابية والهجومية وليس الفكر السليم المنطقي.
وعندما يترافق ذلك مع ميل شديد نحو السلبية والسوداوية والسخرية ورفض كل ما هو غير مألوف يكون الحوار قد اصبح إضاعة وقت ، حيث نمتاز دائما في هذا المجتمع بأننا نرفض كل ما هو غير مألوف ونعتبر أن الجديد هو خطأ ، ونعتمد معادلة الحق والباطل والصواب والخطأ والأبيض والأسود في كل شئ بدون أن نحترم أو نقدر أن هنالك طرقا أخرى للتفكير وعمل الأشياء تختلف عما هو سائد في ثقافتنا وحياتنا ، وأننا يجب أن نحترم هذا النمط طالما لا يؤدي إلى الأذى أو سرقة الحقوق.
كلنا يعتقد أنه يمتلك مرجعية الحقيقة المطلقة في كل شئ ، ونتسابق لإطلاق الأحكام على بعضنا البعض ولا نحاول الإستماع والفهم ، ونتحدث أكثر مما نقرأ ونستمع وعندما نبدأ في حوار يكون هدفنا هزيمة الطرف الآخر وإثبات أنه على خطأ بدلا من محاولة الاستفادة من مضمون النقاش وربما تغيير قناعاتنا لمسبقة في حال كانت خاطئة ، وفي مثل هذا المناخ الثقافي والاجتماعي يبدو من الصعب جدا خلق معايير الحوار واحترام الآراء. أن الديمقراطية الحقيقية تبدأ عندما نؤمن بحق الاختلاف والتغيير في حياتنا اليومية ومن ثم نبدأ بمطالبة الحكومات باحترام الديمقراطية والتعددية ، فالأساس هو احترام الثقافة الديمقراطية في المجتمع وهذا ما نفتقده بشكل كبير.