متى نصبح مجتمعا مدنيا؟

متى نصبح مجتمعا مدنيا؟

لا ينكر أحد أن مشكلة العنف باتت ظاهرة يدركها الجميع ويتحملون انعكاساتها، على اختلاف خلفياتهم الأكاديمية والاقتصادية والسياسية والإعلامية.

واتساع رقعة المشكلة ونموها المطرد يوما بعد يوم، يهدد بزعزعة منظومة الأمن الشامل ما يدعو إلى التوقف كثيرا عندها من قبل ممثلي مختلف الفئات والأطياف ذات العلاقة، شريطة التقاء جميع أطراف العلاقة على طاولة واحدة لبحث المشكلة والخروج برؤية واقعية للحد من تفاقم المشكلة.

واهم من أدرك حجم المشكلة، ومعرفة آثارها الخطيرة على المجتمع والدولة، فتكرار حوادث العنف ينبئ بتبعات خطيرة لا ندري إن كنا نقدر على التعاطي معها، لا سيما أن أسبابها لم تعالج إلى اليوم، ما يرجح وقوع مشاكل كتلك التي وقعت في مختلف مناطق المملكة خلال الأشهر القليلة الماضية.

فضمانات وقف هذا الشكل من العنف غير متوفرة حتى اللحظة، ولا يوجد ما يمنع من تكرار الحالة بشكل دوري طالما أن أصحاب العلاقة لم يحسموا بعد خياراتهم تجاه المشكلة.

أطراف المشكلة الأساسية هي الجهات الرسمية الحكومية والأمنية، ومؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب، ووجوه العشائر والمخيمات، وممثلو الطلبة، والاقتصاديون، وخبراء علم النفس والاجتماع، والإعلام وغيرهم.

ولدى كل طرف رؤية مختلفة وتفسيرات لما يحدث؛ فالأحزاب ترى أن تراجع الحياة السياسية وغياب الرغبة الحقيقية بالإصلاح السياسي وقانون الانتخابات السابق تسببت بهذه المشكلة.

الأكاديميون والتربويون بدورهم يدركون في قرارة أنفسهم، أن تهالك النظام التعليمي المعتمد على التلقين خلق جيلا غير عابئ بما يجري حوله، وولاؤه الأول والأخير يعود لهويات ضيقة أصغر كثيرا من الوطن وحتى من الجامعة والمدرسة.

أما الوجهاء، فيعلمون أن الرجوع والرضوخ إلى قوانينهم الخاصة يخدم أجنداتهم الشخصية، ويقلص الفرص بالتغيير الذي يخدم مصالحهم الخاصة ويخدم أجنداتهم الشخصية، لا سيما أن مواقعهم الاجتماعية تؤمن لهم نفوذا يقوّي برامجهم التي سيخسرونها فيما لو رسخت دولة القانون.

وكل هؤلاء يعلمون أن خرق القانون وعدم احترامه نتيجة غياب العدالة، وعدم تساوي الفرص، وفر بيئة مناسبة لنمو العنف، إذ ساهم غياب تطبيق القانون بالعودة إلى هويات محدودة تتعارض مع فكرة المجتمع المدني ودولة القانون، ما أدى إلى إضعاف الدولة وغياب المجتمع المدني الذي نتطلع إليه ليكون الأردن بلدا عصريا متطورا.

ولربما ساهم غياب العدالة في تطبيق القانون على الجميع، بمعيار واحد، إلى تطاول البعض على التشريع، الذي يعلم أنه لن ينصفه كما غيره، ما أفقد القانون هيبته والدولة كذلك، ومن هنا نجد حالات من التمرد على القانون وعدم احترامه.

والقاعدة الأساسية لضبط حالات العنف في المدى القصير تتمثل في وجود إرادة رسمية للحد من العنف. وذلك ممكن بتطبيق القانون بعدالة، وإضعاف الاعتماد على "القانون" العشائري في كثير من الجرائم لخلق بيئة مجتمعية تشجع على احترام القانون.

وبعكس ما سبق، فإن الأردن يواجه مشاكل تهدد بانهيار مجتمعي يؤذينا جميعا، ونحن الآن على مفترق طرق؛ فإما أن نصبح مجتمعا مدنيا متحضرا، أو نعود لهويات فرعية لا تؤمن بفكرة الحقوق والواجبات، ولا تأبه لخرق القانون.

أضف تعليقك