ما يقال وما لا يقال
اتخذت الحكومة حزمة قرارات اقتصادية تحت عنوان »إصلاح وطني اقتصادي«, ومع ان كلمة (إصلاح) اصبحت مطلبا للاردنيين منذ عقدين من الزمان, إلا ان المقصود كان دائما هو (الاصلاح السياسي) الذي اصبح مطلبا عزيزا بعيد المنال. اما حكاية (الاصلاح) عندما ترتبط بالضرائب وتخفيض العجز والانفاق.. الخ, فهي كلمة منفرة لانه ايضا وعلى مدى العقدين الماضيين رزح المواطن تحت برنامج اصلاح صندوق النقد الدولي الذي تعنون بالعبارة الشهيرة التي اطلقها السياسيون في صيف عام 1989 »بان على الاردنيين ان يشدوا الحزام على بطونهم«. شد الاردنيون الحزام ولم يطالبوا بوظائف ولا علاوات خلال سنوات طويلة من التحمل والصبر فيما طارت الاسعار حتى النجوم. وقيل بان عليهم التضحية من اجل »سلامة الدينار«, ومن اجل انقاذ موازنة الدولة من الانهيار. وقد تم ذلك في مطلع هذا القرن, فاصبح برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي الذي فرضه صندوق النقد محل اشادة, وتحولت شهادات الصندوق للاقتصاد الوطني بالكفاءة, مناسبة للتغني بوعي الاردنيين وصبرهم وبذكاء المسؤولين وسياساتهم.
غير ان الليبرالية الجديدة المتوحشة كانت بالمرصاد لهذا الانجاز الكبير, وما هي إلا سنوات لا تزيد على عدد اصابع اليد الواحدة حتى تضاعف حجم المديونية العامة فيما صفيت شركات القطاع العام او تكاد لصالح الرأسمال الاجنبي, وعدنا الى نقطة الصفر فلا حديث في استراتيجية الدولة الاقتصادية إلا عن تخفيض العجز والانفاق لضبط موازنة الدولة واصبح الحفاظ على الدينار هدفا من جديد. ولم تعد فرص العمل ورفع الرواتب إلا جزءا من الماضي.
منذ اول ايامها خرجت هذه الحكومة بشعار يقول »بانها لا تريد ترحيل المشاكل والازمات«. وانا اقر بانها على ابواب النجاح في فعل ذلك, لكن ما يجري ان رئيس الحكومة المقبل لن يجد امامه مشاكل مرّحلة ليس لان الاموال فائضة في خزانة مالية الدولة, ولا لان الاقتصاد الوطني يسخر من اقتصاد امريكا والاتحاد الاوروبي المتأزم ويثبت قدرته على الانتعاش. ولكن لان (المشاكل) تم ترحيلها الى بيوت المواطنين وجيوبهم, وبذلك زالت الملفات العالقة من امام الحكومات, واصبح فرض الضرائب المدخل لجميع الحلول.
منذ بدء الاصلاح الاقتصادي عام 1989 وحتى اليوم هناك اسئلة بحجم (شوال ابو خط احمر) على كثير مما جرى ويجري في مجال الاقتصاد والاستثمار والصرف والانفاق والوظائف والتوظيف. اسئلة لم تجد لها اجابات في مجالس النواب السابقة ولا في الحكومات التي اصبح شعارها »هناك ما يقال وهناك ما لا يقال«. فمن برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي وملايينه المئة والمئتين والثلاثة الى وقتنا الحاضر هناك ثغرات في الانفاق والهدر والفساد تجعل (البرنامج الوطني) مزدحما بالثقوب مثل الجبن الفرنسي.
واخيرا, اقدر للحكومة شجاعتها في طرح برنامج لا يتضمن غير الضرائب في وقت يتجول فيه المرشحون للمجلس النيابي في الاحياء والمحافظات. فإمّا انها حكومة شجاعة جدا لا تريد شعبية انما المصلحة العامة, حتى لو ادى الامر الى رحيلها مع اول ايام المجلس الجديد, او انها تعرف سلفا ان هذا المجلس سيكون امتدادا للمجلس السابق لكن بحّلة جديدة.